اسرى
استشهاد المُفكر المريض وليد دقة في سجون الاحتلال
رام الله - علم24 - استشهد الأسير المصاب بالسرطان - وليد دقة في سجون الاحتلال الإسرائيلية، مساء اليوم الأحد، بحسب ما أكّدت هيئة شؤون الأسرى والمحررين، ونادي الأسير، في بيان مشترك صدر عنهما؛ وذلك بعد أن قضى في الأسْر أكثر من 39 عاماََ في ظلّ إهمال طبيّ متواصل بحقّه من قِبل سلطات الاحتلال، التي حرمت عائلته مرارا من زيارته، كما منعت محامين من ذلك أيضاََ.
وأكّدت هيئة شؤون الأسرى ونادي الأسير: "استشهاد الأسير القائد المصاب بالسرطان وليد دقة (62 عاما) من باقة الغربية في الداخل المحتل والمعتقل منذ عام 1986".
وشدّدتا على أن استشهاده جاء "بعد سنوات واجه فيها سلسلة طويلة من الجرائم الطبية".
وبعيد استشهاده: دعت مؤسسات الأسرى والقوى الوطنية والإسلامية، إلى "وقفة غضب" احتجاجا على استشهاد الأسير.
ويأتي استشهاد الأسير وليد دقة، بعد يوم واحد من مطالبة منظمة العفو الدولية "إسرائيل" بإطلاق سراح الأسير وليد دقة من مدينة باقة الغربية المصاب بسرطان النخاع الشوكي، على خلفية تعرضه منذ 7 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي للتعذيب والإهانة والإهمال الطبي.
وفي سلسلة منشورات عبر حساب المنظمة الدولية عبر منصة "إكس"، ذكرت العفو الدولية أن "الأسير الفلسطيني وليد دقة مصاب بسرطان النخاع الشوكي، الذي يعد من الحالات الطبية النادرة".
وسلطت العفو الدولية الضوء على أن دقة يتعرض منذ 7 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، للتعذيب والإهانة ويحرم من زيارات عائلته، إضافة إلى تعرضه للإهمال الطبي.
وخلال هذه الفترة: نقل دقة إلى المستشفى مرتين بسبب تدهور حالته الصحية، حسب المصدر نفسه.
وشددت المنظمة الدولية على "ضرورة إطلاق السلطات الإسرائيلية سراح وليد دقة فورًا لدواعٍ إنسانية، والسماح له بقضاء ما تبقى من حياته مع عائلته".
وفي 8 آب/ أغسطس 2023: رفضت محكمة الاحتلال الإفراج المبكر عن الأسير الفلسطيني وليد دقة رغم خطورة وضعه الصحي.
وأنهى دقة فترة محكوميته البالغة 37 عاما منذ 24 آذار/ مارس 2023 "لكنه لا يزال معتقلا بشكل تعسفي إثر إضافة سنتين على حكمه في 2018 بدعوى محاولته مساعدة الأسرى بالاتصال بعائلاتهم
وفي كانون الأول/ ديسمبر 2022: جرى تشخيص إصابة دقة بسرطان النخاع الشوكي ومشكلات صحية متعدّدة، منها أمراض تنفسية والتهاب في الرئة اليمنى.
وكانت عائلة الأسير وليد دقة المصاب بالسرطان، قد أكّدت في حديث لـ"عرب 48"، الشهر الماضي، أنها لا تعرف عنه أيّ شيء منذ شهور، مشيرةََ إلى أنه يتمّ نقله بشكل دائم بين المشافي وسجون الاحتلال "لمنع زيارته".
وقالت سناء سلامة: زوجة الأسير وليد دقة في تصريحات سابقة: "منذ 5 أشهر لا نعرف شيئًا عن وليد، بالرغم من حالته الصحية الصعبة، إذ إنه تمّت زيارته مرة واحدة منذ اندلاع الحرب، وذلك بعد تقديم التماس للمحكمة، وبعد الموافقة على الالتماس تمت الزيارة".
وأكّدت: أنه "منذ تلك الزيارة وحتى اللحظة، لم تتمكن المحامية من زيارته مرة أخرى، رغم أن حالته الصحية صعبة. وخلال أسبوعين نُقل وليد إلى مستشفى ’أساف هاروفيه’ مرتين، بسبب تدهور حالته الصحية".
وأضافت: أن "مصلحة السجون تقوم بالمماطلة طوال الوقت، ودون ردٍّ على الالتماسات، لا يمكن أن تُجرى زيارة أخرى، وبالإضافة إلى ذلك فإن جميع الطلبات التي قدمناها قد رُفضت، وعندما كان في مستشفى العفولة وفي الرملة وفي الجلبوع، قدمنا طلبات وجميع هذه الطلبات تم رفضها كذلك".
ولفتت سناء إلى أنه "يتم نقل وليد كل مرة من مستشفى إلى السجن، وعندما يتم الحصول على زيارة للمستشفى وتتوجه المحامية إلى المستشفى، ويردون عليها بأنه تم نقله إلى السجن، وعندما يتم نقله إلى السجن، تكون المحامية بحاجة إلى تقديم طلب آخر للزيارة، وعندما تتم الموافقة على الطلب تتوجه المحامية إلى السجن ليكون وليد قد نُقل إلى المستشفى مجدّدا، وهذا ما نواجهه؛ مماطلة ونقله من مكان لآخر لمنع المحامية من زيارته".
وأكّدت: أن العائلة "لا تعرف أي شيء عن وليد منذ قرابة 5 أشهر، وذلك منذ أن كان في مستشفى العفولة في 23 آذار/ مارس عام 2023، إذ لم نتلقَّ منذ ذلك الحين تقارير طبية عن حالة وليد الصحية".
وأضافت: "هذا الأمر يصعّب على الأطباء معرفة حالته الصحية، وبخاصة الأطباء من حقوق الإنسان الذين كانوا يتابعون قضية وليد، وفي بعض الأحيان كنّا نزوّدهم بالملفات الطبية الخاصة بوليد، ولا يوجد طريقة لنعرف حالة وليد الصحية في ظل الظروف الحالية".
وكانت زوجة الشهيد الأسير قد طالبت حينها: "بأن يكون وليد على القائمة الأولى لصفقة تبادل الأسرى، لأن حالته الصحية صعبة جدًا وخطيرة"، مشدّدة: على تطلُّع العائلة إلى "حرية جميع الأسرى، وتحديدًا الذين يعانون من أمراض وبحاجة إلى علاج فوريّ".
عن الشهيد وليد دقة :
وليد نمر دقة - هو سادس أقدم أسير فلسطيني، أطلق عليه في فترة ما وصف "عميد الأسرى" وسمي "جنرال الصمود" أنهى حكمه الأول في مارس/آذار 2023، وتمت معاقبته بعامين إضافيين؛ قاوم الإهمال الطبي بعد تشخيصه بمرض السرطان، وكانت سلطات الاحتلال ترفض الإفراج عنه، رغم مطالبات مؤسسات حقوقية بإطلاق سراحه.
أكمل دراسته في المعتقل وحصل على الماجستير وهرّب نطفة إلى خارج السجن، وأصبح أباََ لطفلته ميلاد في سن الـ57 عاماََ، ومارس الكتابة داخل السجن ليقاوم النسيان ويورّث قضيته وأفكاره؛ ويُعد من أبرز الأسرى المنظرين وصدرت له عدة مؤلفات. أبرزها: "صهر الوعي" و"الزمن الموازي" ورواية "حكاية سرّ الزيت"، التي نالت جوائز محلية وعربية.
وقد سمى نفسه "رجل الكهف" الذي ينتمي إلى عصر انتهى، لأنه أتمّ أكثر من نصف عُمره في السجن، ورفضت "إسرائيل" الإفراج عنه أكثر من مرة.
المولد والنشأة :
ولد وليد نمر أسعد دقَّة في الأول من 18 يوليو/تموز 1961، في بلدة باقة الغربية، التي كانت تابعة لقضاء طولكرم قبل النكبة عام 1948، ثم أصبحت تابعة لقضاء حيفا في الأراضي المحتلة، بعد أن شُطرت عن باقة "الشرقية" إثر توقيع اتفاقية رودوس عام 1949.
نشأ وليد في أسرة فلسطينية تتكون من 6 أشقاء و3 شقيقات، وتنحدر من جنوب غرب وادي الحوارث، حيث كان جده لأمه يملك "أرض عطا" الممتدة على شاطئ المتوسط، ويفصلها عن البحر الطريق الساحلي القديم، قبل أن يتحول إلى مستأجر لها بعد النكبة من "مالكها الجديد" المستوطن "شلومو فرانك".
في مخطوطة سيرة ذاتية جمعها الباحث عبد الرحيم الشيخ للنشر، ذكر وليد أن أمه فريدة لم تكمل رضاعته لأسباب صحية، فأرضعته امرأة من أصول أفريقية مع طفلها.
وتابع أنه في سنوات طفولته الأولى: كان يتنقل رفقة والدته من قريته باقة إلى مستعمرة "الخضيرة" في رحلة علاج لمدة عام ونصف في مستشفى "هلل يافي" وبعد أن غادره أورث مرضا عصبياََ رافقه طوال حياته.
في التاسعة من عمره: بكى الطفل وليد مع والده الذي خسر (كأبناء جيله) تجارته وأعلن إفلاسه بعد نكسة عام 1967 ببضع سنوات؛ وحكى أنه رغم الحاجة لم يقبل عرض عمل في شركة من مسؤول "إسرائيلي" في الضفة الغربية المحتلة.
واعتقل وليد في سن الـ25 عاماََ وتزوج من الإعلامية - سناء سلامة، بعد أن انتزع زفافا لمدة 3 ساعات داخل أروقة سجون الاحتلال عام 1999، وكان الأشهر والوحيد في تاريخ الحركة الأسيرة.
وناضل مع زوجته 12 عاماََ لنيل قرار يسمح لهما بالإنجاب قبل أن يتمكن من "تحرير نطفة" اخترقت جدران السجن وظلماته عام 2019. لتخرج طفلته إلى الوجود في الثالث من فبراير/شباط 2020 باسم "ميلاد وليد دقة"، لكنها لم تعرفه إلا أسيرا في مكان لا باب له.
(كانت أجمل تهريب لذاكرته) كما قال حيث أصبح أبا وهو في سن 57 عاما، وأصبحت زوجته سناء أما في عمر 50 عاما، بعد نضال طويل أمام المحاكم لتسجيلها واستخراج وثائق ثبوتية لها.
واختار لها اسم "ميلاد" حتى قبل أن تولد، في رسالة كتبها داخل سجنه عام 2011 في الذكرى الـ25 لاعتقاله، وكان مما جاء فيها "أكتب لميلاد المستقبل، فهكذا نريد أن نسميه/نسميها، وهكذا أريد للمستقبل أن يعرفنا".
الدراسة والتكوين العلمي: تلقى وليد المرحلة الأساسية من تعليمه في مدارس باقة الغربية، وحصل على الثانوية العامة عام 1979، من مدرسة "يمه" الثانوية الزراعية التابعة آنذاك لقسم التربية والتعليم "للإسرائيلي" .
منذ بداية سجنه انخرط في جلسات ومحاضرات ثقافية وكان يعمل على ترجمات متنوعة لبرامج وكتابات عسكرية وثقافية وغيرها خدمة للأسرى أو لاستخدامها في مقالات للنشر.
التحق بجامعة "تل أبيب" المفتوحة حيث واصل دراسته وتكوينه العلمي والأكاديمي رغم الاعتقال. ويروي شقيقه أسعد أن والدته كانت تبيع حبات الزيتون التي تجمعها، من أجل تسديد رسوم الدراسة الجامعية لابنها الأسير وليد.
وقد كلفته الدراسة الجامعية نضالا متواصلاََ إذ كان يصوغ طلبات معللة قانونا حتى للمحكمة العليا من أجل الحصول على الكتب والمنهاج وغيره. وذكر أنه كان يختار لنفسه سريرا قرب نافذة مطلّة على ممر الغرف في سجنه، ليتمكن خلال الليل من متابعة تحصيله الأكاديمي.
عام 2010: حصل على درجة البكالوريوس في دراسات الديمقراطية المتعددة التخصصات، من "الجامعة المفتوحة الإسرائيلية". وفي عام 2016، حصل على درجة الماجستير في الدراسات الإقليمية "مسار الدراسات الإسرائيلية " من جامعة القدس. في حين لم يتمكن من إكمال تحضيره لدرجة الدكتوراه في الفلسفة من "جامعة تل أبيب".
يتقن وليد اللغة العربية إلى جانب العبرية التي يصفها بأنها "لغة زوجة الأب"، التي كادت أن تتغلب على لغته الأم. وكان "أبو ميلاد" يمضي وقته في الدراسة والقراءة والرسم، ويحافظ على وتيرة معينة في الكتابة داخل سجنه، قبل أن يتدهور وضعه الصحي.
لجأ دقّة للرسم عندما أفقدته أدويته التركيز على القراءة والكتابة، وقال إن "الرسم وسيلة ممتازة لإشغال العقل بعيدا عن المرض حتى لا تنهار الروح". كما اعتقد أن رسم حياة الأسرى يسهل تهريبها خارج السجن على عكس المواد المكتوبة.
الحياة المهنية: التحق وليد في مطلع شبابه بسوق الشغل من عام 1979 إلى 1982، حيث عمل بمطعم في "تل أبيب" وبعدها انتقل للعمل في طولكرم عام 1983 وبقي فيها إلى أن اعتقل.
وكان وليد ضمن الهيئة التعليمية والإدارية التي تتابع شؤون الطلاب الأسرى المنتسبين إلى الدراسة الجامعية في برامج جامعة القدس داخل سجن "هداريم". وتولى تدريس بعض المواد لدرجة البكالوريوس في مجال تخصصه.
وحتى نهاية الفصل الدراسي الأول للعام 2022-2023: وصل عدد خريجي ما يعرف بـ "جامعة هداريم"، إلى 170 خريجا لدرجة البكالوريوس، و176 لدرجة الماجستير، رغم محاولات الاحتلال المتكررة لتعطيل الحلقة التعليمية لهذه الجامعة.
مارس الكتابة والرسم داخل السجن وله العديد من اللوحات الفنية، والكتابات تُنشر في الصحافة الفلسطينية، وبشكل خاص في جريدة "فصل المقال"، وموقعَي "عرب 48″، و"التجمع الوطني الديمقراطي".
كما كتب عدة مقالات بالعبرية نشر معظمها في "صحيفة هآرتس" الإسرائيلية، وكتب أيضا مراسلات ومقالات فكرية وسياسية وردودا في إطار المنتدى الفكري-السياسي الذي أسسه مع الأكاديمية عنات مطر من جامعة تل أبيب، وناشطين سياسيين ومثقفين آخرين.
وقد رافق إطلاق رواية "حكاية سر الزيت" إعلان الاتحاد العام للكتاب والأدباء الفلسطينيين عن تشكيل "لجنة الأسرى"، وتعيين الأسير وليد دقّة سكرتيرا لها عام 2018.
الحياة السياسية: عاش وليد في صباه ومراهقته قسوة واقع الاحتلال، التي حفزته على الالتحاق بالعمل الفدائي، فانضم إلى الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين عام 1983، وانتسب إلى خلية عسكرية، وفي عام 1984، كان من بين 3 عناصر من مجموعته تم اختيارهم لتلقي تدريبات عسكرية وأمنية.
ساهم لاحقا في تشكيل جهاز عسكري سري يعمل في الداخل المحتل، حيث سافر إلى سوريا، وتلقى تدريبات لمدة شهر في أحد المعسكرات التابعة للجبهة قرب الحدود الأردنية.
كانت مهمة الجهاز، جمع المعلومات حول قادة ومسؤولين إسرائيليين شاركوا في اجتياح لبنان، وارتكبوا مجزرة صبرا وشاتيلا؛ واختطاف عسكريين بهدف مبادلتهم بأسرى فلسطينيين وعرب معتقلين في سجون الاحتلال الإسرائيلية.
عمل وليد في هذا الجهاز مدة عامين قبل أن تعتقله سلطات الاحتلال، وتتهمه مع الشهيد إبراهيم الراعي ورشدي أبو مخ وإبراهيم بيادسة، بقتل الجندي موشي تمام.
من داخل معتقله، صار عضوا في حزب التجمع الوطني الديمقراطي عقب تأسيسه عام 1995، وهو حزب فلسطيني في الداخل المحتل، وانتخب غيابيا في لجنته المركزية.
قضى وليد ما يقرب من ثلثي حياته في السجن لكنه حرر نفسه من خلال الكتابة وتحصيله العلمي والأكاديمي داخل المعتقل، إذ يقول "لا أكتب إلا لأني أريد الصمود داخل الأسر".
فالكتابة بالنسبة له: عملية تسلل خارج الزنزانة يحاول أن يمارسها يوميا، ويقول "هي نفقي الذي أحفره تحت أسواري حتى أبقى على صلة مع الحياة، حياة الناس وهموم شعبنا وأمتنا العربية، وهذا لا يعني أن الكتابة انفصال عن واقعي داخل الأسر".
وتتنوع الكتابات التي تُشكل المشروع الفكري للأسير الأطول وجودا في السجن، بين الرسائل التأمّلية والسياسية التي تولي اهتماما بقضايا الوجود الإنساني، ومنها قضية الحرية والمقاومة والأسر والتاريخ.
أشهر كتاباته "يوميات المقاومة في جنين"، وهو كتاب قدم فيه توثيقا للتجربة الفلسطينية، وسيرة مختصرة عن تاريخه النضالي، وعن تأملاته في تجربة فلسطين المحتلة عام 1948، وفي تجربة الكفاح المسلح.
أما كتاب "صهر الوعي أو إعادة تعريف التعذيب"، فيتحدث عن المهمة النضالية التي اضطلع بها بعد أسره، وتجربته في الحركة الأسيرة من داخل سجن "الجلبوع".
ويعد هذا الكتاب مرجعا علميا لكتابات السجون، إذ حاول من خلاله تفسير آليات التعذيب في السجون الإسرائيلية بوصفها "مستوطنة عقاب" لصهر وعي الأسرى وكسرهم "جسدا وفكرا وروحا".
وفي سياق هذه الفلسفة، يقول "أكثر ما آلمني هو أنّني عايشت في الأسر الجد والابن والحفيد، وشعرت بأن ثمَّة سيناريو يعيد نفسه، وكأن السجن تركة يرثها الأبناء والأحفاد عن الأجداد".
ولهذا أراد وليد أن يخرج بطل القصة -"جود" ابن الـ12 عاما- عن هذا المألوف في "حكاية سر الزيت"، واختار له وجودا في الحياة عن طريق "نطفة محررة" لأب يسكن السجن لآماد مفتوحة، وهكذا "نجح دقة في خلق قصة الحرية والأمل داخل السجن"، كما كتبت الأديبة أحلام بشارات عام 2018.
ويستكمل الأسير الأديب حكايته، في جزء ثان يتحدث عن النكبة واللجوء في "حكاية سر السيف"، وتشكل "حكاية سر الطّيف" جزءا ثالثا يحمل عنوانا أوليا "الشهداء يعودون إلى رام الله".
اقترن اسم وليد بـ"الزمن الموازي"، وهي رسالة كتبها في اليوم الأول من عامه الـ20 في الأسر، عن فلسفة زمن الأسرى وزمن من هم خارج الأسر.
وقد بلوّر هذا المفهوم في 3 نصوص جاءت على شكل "رسالة الزمن الموازي" عام 2005، ومسرحية غنائية بعنوان "حكاية المنسيين في الزمن الموازي" عام 2011، ثم "مسرحية الزمن الموازي" التي أنتجها مسرح الميدان في حيفا وأطلقها عام 2014.
اعتقل وليد في مارس/آذار 1986: وكان وقتئذ شابا في سن الـ25 عاما، وذكر أنه تعرّض لتحقيق عسكري قاس، تعرض خلاله للمنع من النوم والتجويع والتعذيب الجسدي والنفسي. وحكم عليه بالسجن المؤبد (مدى الحياة) بتهمة خطف وقتل جندي إسرائيلي، ثم جرى تخفيض مدة الحبس عام 2012 إلى37 عاما.
كان شقيقه أسعد هو الوحيد الذي استطاع أن يعانقه ويحتضنه عندما جمع بينهما السجن عام 1989 لمدة 3 سنوات. وفي ذكرى اعتقاله الـ12، توفي والده عام 1998، ولم يتمكن من وداعه أو حضور جنازته، وسمح له بمكالمة هاتفية فقط، وبمشاهدة تسجيل فيديو للجنازة. كما عانى من المنع لزيارة الأهل لأغراض إنسانية، إذ أصيبت والدته بمرض ألزهايمر عام 2013.
ورفضت سلطات الاحتلال تسجيل طفلته مولودة شرعية في سجلاتها، ولم يسمح له برؤيتها إلى أن أجرت فحص الحمض النووي، وهي ابنة سنة ونصف السنة من عمرها.
وعلى مدى سنوات طويلة: ظلت عائلة وليد ابن فريدة الملقبة بـ"أم الأسرى"، تنتظر موعده مع الحرية في 23 مارس/آذار 2023، غير أن محكمة عسكرية عاقبته بعامين إضافيين بتهمة "تهريب هواتف نقالة إلى داخل السجن".
وهو ضمن 23 أسيرا جرى اعتقالهم منذ ما قبل توقيع اتفاقية أوسلو عام 1993، وقد رفضت إسرائيل الإفراج عنه في كافة صفقات التبادل والإفراج عن أسرى الداخل الفلسطيني في أعوام 1994 و2008 و2011، كما تراجع الاحتلال عن وضعه في قائمة المفرج عنهم من الأسرى القدامى عامي 2013 و2014.
وفي رحلة أسره بين الشباب والكهولة في السجون الإسرائيلية منذ 1986، تنقل وليد بين سجون الجلمة وبئر السبع ونفحة وشطة وعسقلان والجلبوع وهداريم، وتعرّض للعزل الانفرادي في العامين 2017 و2018 وعام 2020، بالإضافة الى ملاحقة كتاباته ورسائله ومصادرتها ومعاقبته عليها.
في 18 ديسمبر/كانون الأول 2022: شُخّص وليد بمرض التليف النقوي، وهو نوع نادر من سرطان نخاع العظم الذي تطور عن سرطان الدم (اللوكيميا) الذي شخص به عام 2015، وعولج دوائيا لا كيميائيا.
وفي مارس/آذار 2023: أدخل المستشفى بعد تدهور حاد في وضعه الصحي، حيث عانى من التهاب رئوي حاد وقصور كلوي. ونادت عائلته لإطلاق سراحه، لأنه يحتاج عناية صحية خاصة لا يتوفر الحد الأدنى منها في الأسر، كما يتطلب إجراء عملية زرع نخاع دقيقة.
في يونيو/حزيران 2023: رُفض طلب الإفراج عن وليد لوضعه الصحي، كما رفضت المحكمة المركزية الالتماس الذي قدمه ضد قرار اللجنة.
بينما اعتبرت مديرة المكتب الإقليمي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا في منظمة العفو الدولية، أن "إبقاءه محتجزا هو قسوة مجانية".ن
ورصد مركز صدى سوشيال للحقوق الرقمية خلال مايو/أيار 2023، أكثر من 85 تغريدة تحريضية إسرائيلية عبر توتير ضد الأسير وليد، وفق مركز فلسطين لدراسات الأسرى.
وحسب مؤسسات فلسطينية مختصة بشؤون الأسرى: فإن إصابة وليد بمرض سرطان الدم يسلط الضوء على ملفّ الإهمال الطبّي واستمرار جريمة "القتل البطيء" الذي تمارسها مصلحة إدارة سجون الاحتلال الإسرائيلية بحقّ 700 أسير مريض، 24 منهم مصابون بالسرطان، وبأورام بدرجات متفاوتة، وفق تقرير مشترك لهيئة شؤون الأسرى والمحررين ونادي الأسير الفلسطيني ومؤسسة الضمير لرعاية الأسير وحقوق الإنسان ومركز وادي حلوة في القدس، بمناسبة يوم الأسير الفلسطيني في 17 أبريل/نيسان 2023.
أهم كتابات وليد دقة :
"رياحين الشباب.. بين مفاصل صخر الدولة العبرية"، مخطوط مدونة سيرة ذاتية، كتبها وليد دقة في سجن الرملة عام 2002، واستأنفها بين عامي 2020 و2021 في سجن جلبوع في بيسان المحتلة، لكنها لم تنشر.
"حكاية سر الزيت"، رواية في 96 صفحة من القطع المتوسط، كتبها في سجن "الجلبوع" عام 2017، وفازت بجائزة الشارقة "اتصالات لكتاب الطفل" كأفضل كتاب لليافعين للعام 2018.
"حكاية سر السيف" عام 2021، الجزء الثاني من ثلاثية وليد دقّة لليافعين.
"حكاية سر الطيف: الشهداء يعودون إلى رام الله" عام 2022، الجزء الثالث من ثلاثية وليد دقّة لليافعين.
"الزمن الموازي" عام 2011، تحوّلت إلى عمل مسرحي عرض في مسرح الميدان في حيفا عام 2016، وقد أزعج ذلك الاحتلال فأغلق المسرح.
"صهر الوعي أو في إعادة تعريف التعذيب"، دراسة صدرت عام 2010، كتبها وليد بعد إضراب الأسرى عن الطعام عام 2004.
"يوميات المقاومة في مخيم جنين 2002″، نشرت عام 2004.