مقالات
التعلم ما بين جيل التقليديين .... والرقميين
د. رفاء الرمحي
ونحن على أعتاب نهاية الفصل الدراسي المدرسي الأول، ومع بداية عام جديد ، أتأمل صور طلبة المدارس وهم يُؤدون امتحاناتهم النهائية، وفي جانب آخر أتأمل أسئلة الامتحانات التي تنشرها العديد من المواقع الالكترونية للإعداد والتحضير للإمتحانات والتي يُركز الجزء الأكبر منها على الحفظ والتذكر، وينتابني شعور بالحزن وأتساءل هل لازلنا نعتقد أن الطلبة المتفوقين هم الذين يحفظون تعريفات ، أو يجيبون على أسئلة التذكر حرفياً كما في الكُتب المقررة ؟ ، وهل هذا التعلم الذي نصبو اليه؟، وهل لازلنا نعتقد أن هناك جواباً واحداً فقط لكل سؤال يُطرح؟ ، وهل نعي كتربويين للاختلافات بين الأجيال خاصة بعد التطورات التكنولوجية الهائلة ؟ .
فمن منا يُنكر أن هذا الجيل مختلف في تفكيره ، وفي نمط دراسته، وفي اهتماماته، وفي عادات غذائه، ونلحظ تغير السلوك والعلاقات الأسرية والعمل بشكل مغاير لما اعتدنا عليه ، وهنا يستحضرنا السؤال الأهم : هل سرعة جهوزيتنا كتربويين تتوافق مع سرعة التغييرات التي نشهدها في مختلف المجالات وأهمها أنماط تعلم الطلبة المختلفة عن أنماط دراسة الأجيال السابقة ؟ .
فاليوم في البيئة الواحدة سواء البيت ، أو في عائلاتنا الممتدة ، أو في المدرسة والجامعة ، أو في العمل قد نجد ثلاثة أجيال متعاقبة، جيل ) X إكس) وهم من وُلدوا قبل ثمانينيات القرن الماضي ، عاصروا الحياة البسيطة البعيدة عن التكنولوجيا وزحمة العولمة ونشأوا وتلقوا العلوم من المعلم كمصدر للعلم والمعرفة ، ودأبوا على ارتياد المكتبات العامة ، وآمنوا أن خير جليس في الزمان كتاب، واعتادوا على قراءة المجلات العلمية والثقافية الدورية ، وقراءة الصحف اليومية التي تحوي الجوانب المتعددة من سياسة ، وثقافة ، ورياضة ، واجتماعيات ، وترسخ في قيمهم أن العمل الوطني والطوعي هو جزء هام من رسالة وجود الإنسان .
والجيل الثاني Y (واي) وهم من ولدوا بين عامي 1980 و 1996، وترافق ونشأتهم تغيرات سياسية ، وثقافية، وتكنولوجية ، وانعكس ذلك على اهتماماتهم ، وثقافتهم ، وقيمهم ، وكيفية تعاطيهم مع الحدث ، فالعولمة بكل مجالاتها دخلت لكل بيت و بطرق مختلفة ، الحاسوب الشخصي ، الشبكة العنكبوتية ، البريد الإلكتروني ، الهاتف المحمول ، ولم يرافق هذا التطور السريع استجابة من مؤسساتنا التعليمية تتواءم مع سرعة تأثر الأجيال في الزائر الجديد بكل تأثيراته وأعني بذلك ( العولمة ) ، وهنا بدأت الفجوة تتشكل ما بين التربويين والأكاديميين كمقدمي خدمة التعليم من جانب ، وما بين سرعة تجاوب الأجيال مع المتغيرات الجديدة من حولهم ، وأصبح الطلبة يبحثون عن مصادر التعلم في العالم الآخر بعيداً عن المعلم التقليدي ، أو مبنى المكتبة العامة .
أما الجيل الثالث فهم الجيلZ ( زد)، الذين ولدوا بعد عام 1997 ، وهم المتواجدون في المدارس والجامعات وبعضهم في سوق العمل. يرتبط هذا الجيل ارتباطًا وثيقًا بالتوسع السريع للشبكة العنكبوتية والأجهزة التكنولوجية.
وهم إن جاز التعبير ( جيل الرقمنة ) أو ( الرقميين)، وإذا ما فكرنا في الأمر سندرك أن أفراد هذا الجيل لم يروا العالم من دون جهاز حاسوب! سمة أساسية أخرى لهذا الجيل هي مفهوم "العالم الذي يمتلكونه" المنفصل عن الحدود الجغرافية بالنسبة لهم، وتعلموا التعايش معها منذ كانوا أطفال، ومن أهم صفاتهم؛ عدم الاستغناء عن هواتفهم الذكية واستهلاكهم الكبير للمعلومات وسرعة التنقل بينها، ويشد انتباههم كل ما هو خارج عن المألوف، وجيلهم متجانس ومتشابه في التصرفات ، وحسب الدراسات لديهم قابلية عالية للتغيير، إذ أنهم اعتادوا على التأقلم السريع للتغير بالتكنولوجيا.
ويعاني هذا الجيل اليوم من القدرة على التفاعل الاجتماعي سلوكياً ولفظياً ، ويحدث ذلك فجوة ما بينهم وبين الأجيال الأخرى.
ووفقًا لبعض المحللين يفتقد هذا الجيل صفة الاستماع الجيد ، فمعظمهم لم يعودوا يؤمنون بفعل شيء واحد فقط لبقية حياتهم أو يقضون حياتهم العملية بأكملها في شركة واحدة.
و يعمل العديد من جيل Z أيضًا من المنزل سواء في وظيفة رسمية أو غير رسمية في شركة ، ويكسبون المال من المدونات والوسائط ومبيعات الإعلانات ومستخدمي YouTube والإعلانات وما إلى ذلك ، وباختصار ، يعاني هذا الجيل من الانغلاق ومن عزلٍ لانفسهم من خلال سماعات الرأس (سواء كان ذلك في الحافلات أو الجامعات أو المنزل أو في وظائفهم. …). فهم أولئك الذين يستمعون قليلاً ويتحدثون أقل ، ويمكن تعريفهم على أنهم الجيل الذي يميل إلى التمركز حول الذات ، وغير قلقٍ إلا على نفسه معظم الأوقات.
ماذا تتوقع للمستقبل؟ كيف ستستمر الأجيال في التعايش وكيف ستتفاعل مع الأجيال الجديدة التي ستنشأ؟ ما هي الخصائص التي ستأتي بها هذه الأجيال وما هي الاشكاليات التي ستظهر معها؟
وبما أن نشأة أفراد هذا الجيل جاءت في عالم دائم التطور، فهم يدركون جيداً الحاجة إلى التطوير المستمر لمهاراتهم وتحسين القدرات الذاتية، فهم جيل على استعداد للعمل الجاد والمنافسة ليتم الحكم عليهم بناءً على عملهم، مع ضرورة تزويدهم بتغذية راجعة بشكلٍ مستمر، فهم جيل يتقبل ذلك بشكلٍ إيجابي وعقليتهم تتقبل التعليقات السلبية بشكلٍ أفضل من الأجيال السابقة، ويميلون أكثر لرؤيتها فرصة للتعلم، فطبيعتهم تشجع على النقد البنّاء غير الجارح، ولكن من الأهمية بمكان تقدير جهودهم وأفكارهم أيضاً، وحيث أن البيئة تهم أفراد هذا الجيل يمكن توجيههم للاهتمام بالنباتات والحيوانات والأرض، والإكثار من الأنشطة اللامنهجة والتي تتضمن فرق للغناء أو الدبكة أو اللعب في فرق رياضية، أوالشطرنج او الرسم..
ومن المؤكد أن التقدم التكنولوجي لهذه الأجيال الثلاثة لن يكون هو نفسه للأجيال القادمة ، فمع مرور التكنولوجيا في عملية نمو كبيرة، ليس من السهل التنبؤ بما سيأتي، وهنا صار لزاماً على الساسة وصناع القرار وراسمي السياسات في المجالات التربوية والتعليمية والأكاديمية الاستفادة من التجارب السابقة وأن يكونوا قادرين على التنبؤ بكل ما هو قادم ، والتحضر والتهيؤ له ، وضرورة التحول من الأنظمة التعليمية التقليدية لتصبح أكثر ملامسة للواقع والمستقبل ، ولا يتم ذلك الإ بتحصين التربويين علمياً ، وتكنولوجياً ، وثقافياً ، وإجتماعياً ، واتصال وتواصل يتوافق ويتلاءم مع التطورات العالمية ، فسرعة التحول لدى التربوينن والأكاديميين تتطلب أن تسير بالتوازي مع سرعة التحولات العالمية في مجالات التكنولوجيا وتلقي العلوم والمعارف ، وغير ذلك ستتسع رقعة الفجوة ، وستعيش الأجيال في غربة علمية وتقافية وتكنولوجية، ومتوقع من التربويين والأكاديميين الإرشاد الدائم لأفراد هذا الجيل والاستماع إليهم والتحدث معهم وقضاء وقت وفرصة للتعبير عن أفكارهم ، وتشجيعهم لخوض تجارب جديدة لدمج التكنولوجيا في حياتهم، وتعليمهم بطرق جديدة مبنية على التفكير والتأمل والبحث والمشاريع التعليمية وغيرها، بعيداً عن الحفظ والتلقين حيث لا يستطيع طلبة هذا الجيل الجلوس لفترات طويلة للدراسة كما الأجيال السابقة.