مقالات
غزة تُجلد من ساستها
وسام زغبر
عضو اللجنة المركزية للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين
كثرت في الآونة الأخيرة الورش والندوات وأوراق العمل الصادرة عن مراكز دراسات وأبحاث سياسية واقتصادية وفكرية، عن ما آلت إليه الأوضاع الاقتصادية والسياسية والإنسانية في قطاع غزة، والتي دفعت بمئات الآلاف من شباب غزة وعوائلها نحو مغادرة القطاع المحاصر والمحدود بمساحته الجغرافية.
لا شك أن الأوضاع الاقتصادية والإنسانية الصعبة هي التي دفعت وتدفع بمواطني غزة نحو المجهول هرباً من الألم بحثاً عن بصيص أمل ينقذ ما دمرته السياسة.
كثيرة هي الأوراق البحثية والدراسات، كما هي كثيرة الورش والندوات واللقاءات التي تشخص واقع غزة البائس والمؤلم، وتضع لمساتها عن مسببات مأساتها، والتي تشير أرقام إحصائية إلى أن غزة هي الأكثر ارتفاعًا في كل شيء، حيث معدل البطالة ٤٦٪، والفقر في صفوف الشباب يتجاوز ٦٤٪ وفي صفوف النساء قرابة الـ80٪ وانعدام الأمن الغذائي يصل لـ ٧٠٪، فيما أكثر من ٨٠٪ من أهالي القطاع يعتمدون على المساعدات الإنسانية من وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين «الأونروا» ومن وزارة التنمية الاجتماعية ومؤسسات دولية أخرى.
ووفق مراقبين ان التشخيص لم يعد كافيًا وتحميل مأساة غزة للاحتلال والانقسام معاً لم يعد ذو معنى طالما لم تضع الحلول العملية على طاولة البحث للتنفيذ.
لكن السلطة القائمة في غزة هي لم تعترف أن هموم الناس ومصائبهم هي أيضاً من وراء السياسة الاقتصادية والاجتماعية العشوائية التي تتبعها وترى في أهل غزة بقرة حلوب بتسليطها سيف الجباية والضرائب على المواطنين والتجار على السواء ما أرهق الوضع الاقتصادي المتردي في قطاع غزة.
وأمام تلك المعطيات، فإن الحكومة الفلسطينية في رام الله هي ليست بريئة أيضاً من تحمل أحوال الناس في غزة، فهي تقع عليها المسؤولية بدعم صمود القطاع المحاصر وعدم تركه فريسة لصراع الاحتلال والانقسام والظروف الاقتصادية معاً.
وحسب المراقبين، فإن ما وصلت به القضية الفلسطينية من تراجع على كافة المستويات حتى أصبح التطبيع العربي الإسرائيلي واقعاً ولا سيما في ظل الحديث عن التطبيع السعودي-الإسرائيلي وزيارات مكوكية بين تل أبيب والرياض، كل ذلك لم يسعف طرفي الانقسام إلى الاستيقاظ من الحالة المأساوية التي وصلت بها القضية الفلسطينية والأوضاع التي آلت إليها غزة، ولم يحركا ساكناً في إنهاء هذا الانقسام اللعين.
ويرى مراقبون أن قرار إنهاء الانقسام ليس قراراً فلسطينياً خالصًا، فقرار انهائه بيد نتنياهو الذي يتبجح دوماً أن الانقسام صناعة إسرائيلية شُيد بأيدٍ فلسطينية وبدعم عربي وإقليمي.
فيما يرى مراقبون أن الاحتلال هو المسبب لأوضاع قطاع غزة المأساوية، فهو يواصل حصاره للعام السابع عشر على التوالي مستغلًا حالة الانقسام الفلسطيني ومحولًا القضية الفلسطينية إلى قضية إنسانية وحلول اقتصادية.
وبالعودة إلى العشرات بل مئات الورش واللقاءات والتي لم تضع خطوات عملية نحو حلول جذرية لمأساة غزة وجرحها النازف، ولم تضع خطوات عملية لإنهاء الانقسام الأسود رغم عشرات القمم والمؤتمرات في العواصم العربية والإقليمية والتي لم تصل لمخرج من الحالة المأساوية.
فيما يوضح مراقبون أن القيادة الفلسطينية تتهرب من تنفيذ قرارات المجلسين الوطني والمركزي، واجتماعات الأمناء العامين، كما أن تلك القيادة تتماشى مع مشاريع التطبيع السعودي- الإسرائيلي، ولم تستطع القوى السياسية الاتفاق على استراتيجية نضالية كفاحية جامعة لمقاومة الاحتلال الاستعماري الاستيطاني الإحلالي على طريق الخلاص منه ومواجهة التطبيع.
يبدو أن النخب السياسية لم تعد تدرك أن المرحلة النضالية التي يعيشها شعبنا هي مرحلة تحرر وطني ولم تصل بعد إلى مرحلة الخلاص من الاحتلال وبناء الدولة المدنية الديمقراطية، وأن حالة البذخ السياسي والمالي لا تليق بطبيعة المرحلة التي يعيشها الشعب الفلسطيني ولا بنضاله الوطني للخلاص من الاحتلال.