مقالات
لماذا يخشى الاحتلال العلم الفلسطيني؟
بقلم: طه خالد منصور
لم يكن مفاجئا أن تشن حكومة الاحتلال المتطرفة حربا أخرى على العلم الفلسطيني، تشكلت معالمها من خلال القرارات الأخيرة التي اتخذها وزير الأمن القومي في حكومة الاحتلال الإسرائيلي، إيتمار بن غفير، بشأن منع رفع علم فلسطين في الأماكن العامة، في إطار منع إي مظهر من المظاهر الوطنية الفلسطينية التي تدل على انتماء فلسطينيي الداخل المحتل، وصولا إلى منعه داخل الجامعات الإسرائيلية ويلزمها بطرد كل طالب يرفعه.
لم يمر التحضير لقرار منع رفع العلم الفلسطيني مرور الكرام فسرعان ما أتى الرد من كل صوب ونحو وحتى من الداخل حيث رفضت الأوساط الجامعية في إسرائيل هذا القرار من منطلق أنه يسعى إلى تحويل الحرم الجامعي إلى ساحة صراع ويوسع رقعة ممارسة التطرف الذي تحاول حكومة بن غفير و وسموتريتش، إلى فرضها على أرض الواقع، أملاً منها في فرض ما يعرف بـ “الحوكمة” والتشديد على الهوية اليهودية للدولة، غير أن هذه المحاولة بالمساس بجوهر ما تهدف إليه الجامعات قوبلت برد عنيف ورسالة لخص فيها رؤساء الجامعات موقفهم من هذا القرار حيث قالوا في رسالتهم: «يسعى مشروع القانون إلى تحويل مؤسسات التعليم العالي إلى فروع للشرطة الإسرائيلية و(الشاباك)، وإلزامها بمراقبة مئات الآلاف من الطلاب في مجالهم، وإلزام المؤسسات بفرض عقوبات على أفعال مغطاة حتى الآن إلى حد كبير تحت حماية حرية التعبير... الحديث يدور عن تدخل سياسي عميق وغير معقول في أنشطة الحرم الجامعي... محاولة لاستخدام المؤسسات الأكاديمية لإنفاذ القانون وتحويل إدارة المؤسسات إلى رجال شرطة وقضاة وحتى جلادون وهذه التجاوزات لا علاقة لها بالحياة الأكاديمية».
وقال رئيس جامعة تل أبيب، البروفيسور اريئيل بورات: «إنّ السلطة الفلسطينية ليست دولة معادية وليست منظمة إرهابية، ورفع علمها هو عمل شرعي تحت حماية حرية التعبير... إذا طبقنا هذا القانون، إذا أصبح قانوناً بالفعل، سنضطر على الأرجح إلى إبعاد جزء كبير من طلابنا عن الجامعة، لأنهم لن يتحملوا وبحق مثل هذا القمع، ولن يترددوا في رفع العلم الفلسطيني».
الرد لم يأت فقط من رؤساء الجامعات فحتى صحيفة “هآرتس” العبرية، لم تتقبل مشروع قانون حظر رفع العلم الفلسطيني في الجامعات وكتبت في افتتاحيتها يوم الأحد الماضي، "إن السلطة الفلسطينية ليست دولة معادية وليست منظمة إرهابية، وإن إسرائيل وقّعت على اتفاقات مع منظمة التحرير الفلسطينية، وإن الراية الفلسطينية رفعت في الكنيست سابقا" وهنا تقع دولة الاحتلال في دوامة التناقضات أو لنقل أنها استشعرت الضعف فأصبحت تحارب العلم وتجعله قضية وجريمة يعاقب عليها القانون، تتم عبرها ملاحقة أبناء الشعب الفلسطيني ومحاكمتهم والتنكيل بهم، ما يعبر بشكل واضح عن المأزق وفقدان السيطرة الذي تعيشه هذه الحكومة المتطرفة، والتي تنظر للعلم الفلسطيني على أنه "علم منظمة التحرير الوطنيّ"، لا "العلم الفلسطينيّ" بكل بساطة لأن هذا العلم يكتسب قيمةً تختلف كثيراً عن تلك التي يحملها إلقاء حجرٍ على دورية جنود أو زجاجة مولوتوف، فهي تعي جيدا أنه يُهدِّد سيادتها ويعرّي هشاشتها للعن ، حتى رفعه فقط أصبح يقلق الأوساط الإسرائيلية ما يعكس فشلها في هزيمة مقاومة الفلسطينيين في الضفة وغزة فاتجهت بوصلتها إلى عرب إسرائيل بهدف تركيعهم والاستفراد بهم في وقت لا يوجد قانون دولي يحميهم، ولا مجتمع دولي يتدخل للدفاع عنهم.
المكون الفلسطيني ضمن أراضيه المحتلة حقيقة راسخة رغم كل التحديات والعراقيل حيث أصبح يخترق محاولات الاحتلال لفرض سيادته عليها وصبغها باليهودية، فحتى داخل الجامعات الإسرائيلية أصبح هذا المكون مزعجا بالنسبة لحكومة الاحتلال ولا يمكن استبعاد أن تكون محاولات ملاحقة الطلاب الذين يرفعون العلم الفلسطيني مخططا لاستبعادهم من الجامعات نهائيا، ولن نبالغ إن قلنا أن التحضير لقرار يمنع رفع العلم الذي يعتبر هوية ورمز للدولة الفلسطينية والفلسطينيين جزء من العقلية المتطرفة التي تنكر أصلا الوجود الفلسطيني وتحارب حل الدوليتين، فقبل سنة من الأن أزيل علم فلسطيني ضخم كان قد علق الى جانب العلم الإسرائيلي فوق مبنى في منطقة البورصة في مدينة رمات غان وسط إسرائيل، وذلك احتجاجا على خطط لحظر رفع العلم الفلسطيني في المؤسسات التربوية الإسرائيلية، ونستذكر أيضا تصريحات وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش خلال شهر مارس الماضي، الذي قال فيها إنه لا يوجد تاريخ أو ثقافة فلسطينية ولا يوجد شيء اسمه الشعب الفلسطيني، وبين هذا وذاك تتضح الغايات الرئيسية التي تهدف إليها حكومة الاحتلال المتطرفة وهي محاربة الفكر الوجودي الفلسطيني من الأساس وليس العلم فقط .
لن تكون هذه الحرب الشرسة على العلم الفلسطيني آخر ما تسعى إليه حكومة الاحتلال ضمن مساعيها لطمس هوية الفلسطينيين، وإنكارها المستمر أنَّهم شعبٌ ذو ذاكرة تاريخيّة ورموز وطنيّة ووجود سياسيّ سابقٍ لوجودهم فهم يدركون جيداً أن لا مكان لهم طالما بقي الشعب الفلسطيني محافظا على هويته ورافعا لعلمه مهمها تعددت أساليب المنع.