مقالات
نحنُ والحرب الأهلية اللبنانية وتزويرُ الوقائع
بقلم: بكر أبو بكر
فوجئنا في العام 2021 والعام 2022 ظهور العديد من الأشرطة ومقاطع مرئية حول الحرب الأهلية اللبنانية التي دخلت فيها الثورة الفلسطينية الى جانب الحركة الوطنية اللبنانية في مواجهة القوى الانعزالية المتعاونة مع الإسرائيلي آنذاك.
وقامت عديد الفضائيات اللبنانية التي كلّ منها محسوبة على فصيل سياسي لبناني محدد بعرض كثير من تفاصيل الأحداث-من وجهة نظرها الحزبية الضيقة- منذ اندلاع الحرب الأهلية اللبنانية عام 1975م وصولًا الى الحرب الصهيونية الداهمة بفصولها المتعددة، والمقاومة الفلسطينية-اللبنانية الشرسة لها، وصولًا لصمود بيروت الأسطوري عام 1982م، وما تلاه من أحداث ومجازر وحروب مخيمات (استمرت الحرب الأهلية اللبنانية بعد خروج الثورة الفلسطينية حتى العام 1990م).
ولكن المفصلي في كل تلك العروضات الملتوية الضيقة للوقائع أنها اتخذت وجهة نظر منحازة كلياً، فمنها من كثّف من وجود حزبه الذي لم يكن موجودًا مطلقًا في تلك الفترات. ومنهم من تنصّل من ارتباطه بالثورة الفلسطينية وحركة فتح وياسر عرفات!؟ رغم أنها كانت تسبغ عليهم الدعم والاحترام وقيمة التحالف والمكانة وكل الحماية!؟ فها هم ينكصون.
في الاتجاه الآخر وخاصة مما كان يسمى القوى الانعزالية المتعاونة مع الاحتلال الصهيوني (بدأ التعاون الأمني والعمالة منذ العام 1950، ثم بقوة عام 1958م، وبدفق أكبر منذ العام 1975م فصاعدًا) خاصة مع دخول الحرب اللبنانية في مجزرة عين الرمانة الانعزالية ضد الفلسطينيين، لتجد إشارات مرعبة من التضليل والكذب الصراح، وليّ عنق الحقائق بالبعض الآخر، وكأن الناس قد ماتت! ولم يبق من الشهود أحد!
فترى تجميل عجيب لعدد من الجزارين والقتلة والمتعاملين مع العدو الصهيوني. بل وترى في الأشرطة (وبعض الكتب) الدموع تنهمر على مقتل أو وفاة فلان "القائد" القاتل والمجرم ضد الانسانية الذي يصوره صديقه أو أحد اتباعه وكأنه ملاك أو نبي أو ملك متوج لن تجد من هو أكثر رحمة منه أوعطفًا!؟ وهو لم يكن ببعيد عن سفلة القوم كرجل العصابات أو القاتل الدموي المتسلسل، وبشهادة التاريخ وكتبه العديدة المختلفة التي كتبها لسوء حظ القتلة حلفاءؤهم الإسرائيليين، وعدد كبير من المنصفين الاجانب وغيرهم، إضافة للشهود المنصفين الذين مازالوا أحياء، عوضًا عن الاطلاع على وثائق الصحف آنذاك.
طال الحديث في مختلف المقاطع المرئية حول بطولات عجيبة! كانت مخازي بالفعل، ومما قرأناه سابقًا أو لاحقًا في عديد الكتب التي سميت أو حاولت الاقتراب لتكون (اعترافات) وما هي كذلك بل إيغال من أصحابها بالتمسك بجرائمهم ومجازرهم ضد اللبنانيين وضد الفلسطينيين.
في مثل هذه الحال نحتاج حقًا لجهد كبير يقوم به الشارع الوطني اللبناني دفاعًا عن طهارة السلاح الثوري الذي حملوه الى جانب الثورة الفلسطينية التي علمتهم وتعلمت منهم المحبة والرفاقية والتعاون والكرامة الوطنية، وكما فعل د.أسعد أبوخليل في كتاباته ومنها رده على معركة الدامور عارضًا الحقائق وواضعًا المخرز بعيون الكذابين الأفاقي، وكما فعل أيضًا الكاتب والمفكر الكبير والمؤرخ صقر أبوفخر(مما كتبه منذ العام 2019م، وماجد كيالي...) ونجزم ان هناك آخرين كثر.
ولكن هذا لا يكفي، فالصورة طاغية والأكاذيب مازالت تروّج ما يذكرنا بكهنة التوراة الذين استطاعو كتابة الأساطير والخرافات والأكاذيب لتصبح بعد مئات السنوات وكأنها منبع الحقيقة لدى أكثر من نصف سكان الكوكب حتى الآن!؟
إن المطلوب من كل الباحثين الرصينين، ومن كل الذين عاشوا تلك الفترة لبنانيين وعرب وفلسطينيين أن يدلوا بدلوهم بشهاداتهم الشخصية، وينصفوا الحقيقة فيظل الحدث كما هو سواء كان غلطة محدودة، أو عدوان أو جريمة أو معركة أو مجزرة كما هو فعلًا، ويظل البطل بطلًا، والمجرم والقاتل والجزار كما هو فلا يتحول عند الجيل العربي الجديد ملاكًا أو قديساً.
***
بكر أبوبكر
رئيس أكاديمية فتح الفكرية
أكاديمية الشهيد عثمان أبوغربية