اقتصاد
42 مليون طن من الأنقاض في غزة .. إعادة الإعمار قد تكلف 80 مليار دولار
على وقع محادثات وقف إطلاق النار في الدوحة، أصبحت الدعوات من أجل إعادة إعمار غزة أعلى صوتاً. لكن ماذا تتطلب هذه العملية المقدرة تكاليفها بنحو 80 مليار دولار بعدما أصبح القطاع عبارة عن 42 مليون طن من الأنقاض؟
العملية تبدو معقدة ومتشعبة. فبحسب تقرير معمّق أوردته بلومبيرغ أمس الجمعة، تفيد تقارير متوافرة استندت إليها بتضرر أكثر من 70% من مساكن غزة إلى جانب المستشفيات والشركات، فيما تقول وكالات الإغاثة إن معظم سكان القطاع البالغ عددهم 2.2 مليون نسمة قد نزحوا وتكدسوا في شريحة صغيرة من الأرض على طول ساحل البحر الأبيض المتوسط، معزولين إلى حد كبير عن المياه العذبة والغذاء، فضلا عن الأدوية والصرف الصحي الأساسي.
وتعتقد الشبكة الأميركية أن حجم الدمار الذي تسببت به آلة الاحتلال يعني أنه مع استئناف محادثات وقف إطلاق النار أمس الخميس في العاصمة القطرية الدوحة، فإن عملية إعادة إعمار غزة الموازية تجرى مناقشتها أيضاً على أعلى مستوى.
في التفاصيل أنه حتى الآن، خلفت الغارات الجوية الإسرائيلية أكثر من 42 مليون طن من الحطام في جميع أنحاء القطاع، وفقاً للأمم المتحدة. وهذا الحطام يكفي لملء خط من الشاحنات القلابة الممتدة من نيويورك إلى سنغافورة. وقد تستغرق إزالة كل هذا سنوات وقد يكلف ما يصل إلى 700 مليون دولار. كما ستتعقد المهمة بسبب القنابل غير المنفجرة والمواد الملوثة الخطيرة وبقايا الشهداء الفلسطينيين تحت الأنقاض.
ويتكون الحطام بمعظمه من المساكن المدمرة، وتوزيعها عبر القطاع يحاكي تقريباً الكثافة السكانية في غزة قبل العدوان الإسرائيلي. وستتعين إزالة ما لا يقل عن 8.5 ملايين طن من الحطام من خانيونس التي كانت تنتج ذات يوم معظم الحمضيات في غزة، بما في ذلك البرتقال والجريب فروت، في حين أن البساتين والحقول في القطاع الآن أصبحت خربة. فقد دمّر الاحتلال ما لا يقل عن نصف الأراضي الزراعية في القطاع، الأمر الذي أدى إلى انهيار القطاع الزراعي الذي سيستغرق التغلب عليه سنوات، وفقاً لمنظمة جذور الخيرية المحلية التي تتعاون مع منظمة أوكسفام.
والوضع حاد بشكل خاص في الشمال. حيث تعرضت مدينة غزة التي كانت في السابق أكبر مركز حضري في الأراضي الفلسطينية، كما المناطق المحيطة بها، لأضرار جسيمة، حيث تشكل أكثر من نصف حطام القطاع.
وبحسب بلومبيرغ، تتطلب إعادة بناء غزة واستعادة حياة سكانها إصلاحاً كاملاً للبنية الأساسية المادية بالكامل وبعض أشكال الحل السياسي حول الشكل الذي ستبدو عليه غزة الجديدة. لكن قبل أن يتسنى تحقيق أي من ذلك، سيكون من الأهمية بمكان جمع كل الأنقاض والتخلص منها بعد انتهاء العدوان.
ومن المنتظر أن تؤدي حقوق الملكية وصعوبات العثور على مواقع للتخلص من الحطام الملوث إلى تعقيد العملية بشكل أكبر. إذ إن إعادة بناء غزة قد تكلف أكثر من 80 مليار دولار. وبالأخذ في الحسبان النفقات الخفية، مثل التأثير طويل الأجل لسوق العمل المدمرة بسبب الموت والإصابات والصدمات، "يمكنك إعادة بناء مبنى، ولكن كيف يمكنك إعادة بناء حياة مليون طفل؟"، تنقل بلومبيرغ تساؤلاً من دانييل إيغل، كبير الاقتصاديين في مؤسسة راند البحثية ومقرها كاليفورنيا.
لكن ليس واضحاً حتى الآن من سيدفع فاتورة إعادة الإعمار. فواقع الدمار مهول. بهذا المعنى تنقل الشبكة الأميركية عن مارك جارزومبيك، أستاذ تاريخ العمارة في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا والذي درس إعادة إعمار غزة بعد الحرب العالمية الثانية، قوله مصدوماً: "ما نراه في غزة هو شيء لم نشهده من قبل في تاريخ التحضر. إنه ليس مجرد تدمير البنية التحتية المادية، بل تدمير للمؤسسات الأساسية للحكم والشعور بالطبيعية"، مضيفاً أن "تكلفة إعادة الإعمار ستكون باهظة، ويجب أن تكون مواقع البناء على هذا النطاق خالية من الناس، ما يخلق موجة أخرى من النزوح. بغض النظر عما يفعله المرء، فإن غزة ستكافح لأجيال مع هذا".
وكان اجتماع الدول المانحة والمؤسسات الخيرية العالمية، الذي عقد في مدينة رام الله بالضفة الغربية يوم الاثنين الماضي، بمثابة البداية لتلك الجهود الرامية إلى تأمين المساعدات المالية. وقد نظمت هذه الجهود برامج الأمم المتحدة للتنمية والبيئة والمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين. ونظم برامج الأمم المتحدة للتنمية والبيئة والسلطة الفلسطينية الاجتماع الذي ناقش ما ينبغي أن تؤول إليه الأمور. ونظراً إلى الأموال والقوى العاملة والمعدات اللازمة، فإن وضع خطة الآن لإزالة الأنقاض أمر بالغ الأهمية حتى يتسنى بدء العمل بمجرد انتهاء العدوان، وفقاً لما قال وزير الأشغال العامة والإسكان الفلسطيني أحمد بسيسو للصحافيين بعد الاجتماع.
أبرز المانحين :
وبعد جولات سابقة من القتال، كانت دول الخليج والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة واليابان من بين المانحين الذين تعهدوا، ولكنهم لم يقدموا دائماً الأموال لمساعدة غزة على التعافي، بينما كانت قطر من أكبر الداعمين، حيث استثمرت مباشرة في الطرق والمستشفيات والمجمعات السكنية، فضلاً عن المشاريع الزراعية والبنية التحتية، إضافة إلى المنح التي بلغت مئات ملايين الدولارات على مدى عقد من الزمان. لكن اللاعبين الرئيسيين قالوا إنهم مترددون في المساهمة مجدداً من دون مسار تفاوضي لحل سياسي يُنهي دائرة العنف.
والنقاش المكثف حول ما قد يستلزمه ذلك مستمر جنباً إلى جنب مع محادثات وقف إطلاق النار التي توسطت فيها قطر ومصر، والمناقشات حول تخفيف حدة التوترات مع إيران وحزب الله. وفي رام الله، كان المسؤولون من السلطة الفلسطينية يرسمون خرائط إعادة إعمار غزة منذ أشهر. وقد قدموا رؤيتهم للمجتمع الدولي في بروكسل في مايو/أيار، وحاولوا منذ ذلك الحين حشد الدعم.
ورغم تهميشها في غزة منذ استيلاء حماس على السلطة قبل 17 عاماً، فإن السلطة الفلسطينية لا تزال تدفع نحو 40% من الإنفاق الرسمي للقطاع، مثل رواتب ومعاشات موظفي الخدمة المدنية، فضلاً عن الخدمات مثل المياه والكهرباء، التي تسيطر عليها إسرائيل إلى حد كبير. كما نسقت جهود إعادة إعمار غزة في أعقاب الصراع السابق بين إسرائيل وحماس مع المؤسسات الدولية ومنظمات الإغاثة والوكالات الأممية المختلفة. ومن المرجح أن يكون هذا هو الحال هذه المرة أيضاً، بحسب بلومبيرغ.
سيتعين على جميع الأطراف الاتفاق على مخطط إعادة إعمار غزة، وفي مقدمتها الاحتلال الإسرائيلي الذي منع ما يسمى بالمواد ذات الاستخدام المزدوج بمعنى أي شيء يمكن أن يساعد حماس في بناء الأنفاق أو الأسلحة، من دخول الأراضي منذ عام 2007. وقال بسيسو في مقابلة: "نأمل الانسحاب الكامل للقوات الإسرائيلية من قطاع غزة. نحن بحاجة إلى التحرك بحرية والسيطرة على حدودنا حتى تدخل المواد إلى غزة، ونأمل ألا تمنع إسرائيل دخولها".
وتزعم "إسرائيل" أن جزءاً من سبب تدمير الكثير من الأراضي هو أن حماس ترسخت في كل جزء مادي من الحياة ثم حفرت حوالي 500 ميل من الأنفاق لقاعدة محصنة تحت الأرض. وبموجب خطة السلطة الفلسطينية، سوف تُفكَّك جميع الذخائر غير المنفجرة بمجرد حصولها على الضوء الأخضر لبدء إعادة الإعمار. كما ستُطهَّر بعد ذلك الطرق للسماح بالوصول إلى مواقع الإقامة المؤقتة التي لم تُبنَ بعد. وقال بسيسو إن كل مجموعة سوف تشمل المدارس والملاعب والمكاتب الحكومية، وستُنشأ عندما تتوفر الأموال بالقرب من المراكز الحضرية المدمرة "حتى يتمكن المواطنون من المساعدة في عملية إعادة البناء". وفي الوقت نفسه، سوف تبدأ إزالة الأنقاض.
من جهتها: شددت المسؤولة البارزة في برنامج الأمم المتحدة الإنمائي المكلفة بدعم الشعب الفلسطيني شيتوسي نوغوتشي على مدى تعقيد عملية إزالة الأنقاض في اجتماع الاثنين الماضي، وقالت إن البرنامج يتمتع بخبرة واسعة في غزة، لكن نظراً إلى عدد جثث الشهداء المدفونة بين الأنقاض (نحو 10 آلاف وفقاً للأمم المتحدة) فضلاً عن الذخائر غير المنفجرة، فإن هذه المرة مختلفة تماماً وتتطلب طرقاً جديدة للقيام بالأمور.
في جانب آخر، تقول الأمم المتحدة إن هناك حاجة إلى آلاف الأشخاص لجمع الأنقاض والتخلص منها، وإن قوة العمل ليست كافية للتعامل مع العمل في غزة وأوكرانيا في نفس الوقت. لذا فقد بدأت تدريب الناس في الأردن.
وسيتولى خبراء قانونيون التعامل مع حقوق الملكية، التي أصبحت أكثر تعقيداً بسبب التدمير الكامل لبعض الأحياء ووفاة أصحاب الأراضي. وستساعد فرق ماهرة في تحديد الأجسام الخطرة والتعامل مع أي مخاطر صحية فورية وطويلة الأمد ناجمة عن النفايات السامة.
كما أن الأنقاض هي بيئة مثالية لذباب الرمل الذي يمكن أن ينشر داء الليشمانيات، وهو مرض جلدي طفيلي مميت إذا ترك من دون علاج. العقارب الصفراء والأفاعي تعشش في الشقوق الصخرية. ثم هناك الأسبستوس المستخدم على نطاق واسع عاملَ عزل، وتشير التقديرات إلى أن 2.3 مليون طن من الحطام في غزة تحتوي على هذه المادة، وفقاً لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة.
واقترحت الأمم المتحدة موقعين في غزة لمثل هذا الحطام. واحد في الشمال وواحد في الجنوب على طول السياج مع الاحتلال. وفي السياق، نقلت بلومبيرغ عن وزير الدولة للإغاثة الطارئة في السلطة الفلسطينية باسل نصر الكفارنة قوله إن هناك حاجة إلى 20 ميلاً مربعاً لهذه المواقع وإن المناطق القريبة من البحر قيد الدراسة أيضاً.
استخدام الحطام غير الملوث في إعادة إعمار غزة؟
ويمكن استخدام الحطام غير الملوث لإعادة الإعمار على سبيل المثال، وذلك بعد سحقه وتحويله إلى خرسانة. وتقدر الأمم المتحدة أن إعادة معالجة نصف هذه الأنقاض فقط ستكون كافية لإعادة بناء شبكة الطرق بأكملها في غزة. واقترح المسؤولون استخدامها في هياكل الدفاع البحري مثل حواجز الأمواج للحماية من تآكل السواحل والفيضانات.
وتشمل الاستخدامات المحتملة الأخرى كتل الرصف المخصصة لأرصفة الطرق وقنوات الصرف. وإذا أعادت المنطقة تدوير نصف هذه الأنقاض فقط، فيمكنها استرداد حوالي ثلث تكاليف التنظيف وتوفير حوالي 143 مليون دولار من إجمالي الفاتورة.