ads image
علم 24 #غزة_تُباد
علم 24

مقالات

كلام خطير ينتظر مصداقية الفعل

14/07/2023 الساعة 02:35 (بتوقيت القدس)

الكاتب: طلال عوكل


كان لا بدّ للفلسطينيين أن يتوصّلوا إلى مثل هذه النتيجة التي يمكن قراءتها بوضوح في أسباب وأبعاد الزيارة التي قام بها الرئيس محمود عبّاس لجنين ومخيّمها، بعد إحدى عشرة سنة من زيارته السابقة لها.

الزيارة وما أدلى به الرئيس من تصريحات ذات أبعاد إستراتيجية، لا يمكن رؤيتها في سياق ردّ فعل غاضب على سياسة احتلالية، قطعت كل علاقة بالقيم والحقوق والقانون الدولي، إذ لا بدّ أنّ الرئيس يدرك الأبعاد وردود الفعل المتوقّعة من قبل إسرائيل.

الزيارة بالتأكيد لا تتّصل بأبعاد شخصية، أو بمحاولة لاستعادة حركة فتح لبعض من شعبيتها التي تآكلت، بالرغم من أنّ «فتح» قادرة على أن تستعيد شعبيتها، وتعظيم دورها، رغم كلّ ما يمكن تسجيله عليها من ملاحظات.

الرئيس أعطى الغطاء السياسي القيادي للفعل المقاوم ولسكّان جنين ومخيّمها، حين أكّد العزم على إعادة بناء ما دمّرته آلة الاحتلال، وحين أكّد ثبات الموقف المسؤول تجاه الشهداء وعائلاتهم خلال زيارته لمقابر الشهداء.

تنطوي هذه الزيارة على مؤشّرات واضحة، تجاه المرحلة المقبلة فهو قد ردّ بصورةٍ مباشرة على اشتراطات دولة الاحتلال إزاء تقديم «تسهيلات» للسلطة الوطنية بزعم تقويتها.

ما كان يمكن لمسؤول فلسطيني أن يقبل الاشتراطات الإذلالية التي طلبتها حكومة بنيامين نتنياهو، بناءً على نصيحة وربما بطلب من الإدارة الأميركية، تؤشّر اشتراطات الحكومة مرّة أخرى على أنّ سياستها تستهدف إضعاف السلطة وتقويضها، والرغبة في إحالتها إلى «روابط قرى» جديدة، دون أيّ أبعادٍ سياسية.

أليست هذه السلطة، واحدة من أبرز معالم المشروع الوطني بما أنّها نواة الدولة، التي سبق لنتنياهو أن صرّح بأنّه سيدمّر أيّ مؤشّر على مشروع وطني فلسطيني؟

إذاً، هي سياسة حكومة، وليست سياسة إيتمار بن غفير أو بتسلئيل سموتريتش اللذين أعربا عن رفضهما لأيّ «تسهيلات» من قبل الحكومة تؤدي إلى تقوية السلطة، واللذين اتّهما برعاية والتحريض على الإرهاب.

تعطي تصريحات الرئيس، مصداقية، وتدعو للتفاؤل بشأن الاجتماع المقبل للأمناء العامين الذي سينعقد في نهاية هذا الشهر في القاهرة.

يكرّر الرئيس جملة «سلطة واحدة ودولة واحدة، وقانون واحد وأمن واستقرار واحد»، مشفوعة بتهديد مباشر، بقطع اليد من جذورها التي ستمتد إلى وحدة وأمن واستقرار الشعب الفلسطيني.

ولكن ثمة ما يدعو إلى الاعتقاد بأنّ تحوّلاً في الطريق على السياسة الفلسطينية، حين يقول: ليكن هذا الوطن مفتوحاً للجميع، وليعد إليه أربعة عشر مليون فلسطيني.

هذه الإشارة إلى موضوع عودة اللاجئين بخلاف الخطاب التقليدي الذي يتحدّث عن حلّ مشكلة اللاجئين في إطار حصر المشروع الوطني بالأراضي المحتلة العام 1967، تشير إلى اقتناع المستوى السياسي، بأنّ الأحداث، وسياسة إسرائيل تجاوزت مسألة حصر المشروع والحقوق بجزءٍ من أرض فلسطين التاريخية.

وسواء أعلنت السلطة، والمنظمة، وحركة فتح، ومن يشايعها في مشروعها، الذي اشتغلت عليه منذ ثلاثين عاماً، أو لم تعلن ذلك صراحةً، فإنّ الصراع موضوعياً، يتّجه نحو تغيير المشروع الوطني، بحيث يشمل كلّ أرض فلسطين التاريخية، وكلّ الحقوق، بما يعني عودة الصراع إلى أساسه.

وفي انتظار ما يُسفر عنه اجتماع الأمناء العامين في القاهرة، استناداً إلى مبادرة من الرئيس، الذي يمسك وحده بمفاتيح القرار الرسمي، فإنّ مثل هذه التصريحات والتوجُّهات، ستضع السلطة، موضوعياً في مربّع الصراع مع الاحتلال.

يبقى أن نشير إلى أنّ هذه التصريحات ذات الأبعاد السياسية الإستراتيجية غير المسبوقة تستدعي من السلطة وفورياً إطلاق سراح «المعتقلين السياسيّين»، والتوقُّف عن سياسة ملاحقة «المعارضين» و»المقاومين»، وبالإضافة إلى ذلك وقف حملات التحريض والاتهامات المتبادلة بين حركتي «فتح» و»حماس» وذلك في إطار التحضير الجيّد والإيجابي لاجتماع القاهرة.

لقد أبدت حركة الجهاد موقفاً يُشير إلى أنها قد تمتنع عن حضور الاجتماع في حال لم يتمّ الإفراج عن كوادرها وأعضائها.

في الواقع فإنّ الفلسطينيين بالجملة أمام فرصة تاريخية نتيجتها وجود حكومة احتلالية عنصرية فاشية هي الأشدّ تطرُّفاً بالمقارنة مع أيّ حكومة سابقة، رغم أنّها كلّها اتّسمت بالتطرُّف.

إسرائيل تعاني من أزمةٍ داخلية متفاقمة على خلفية «التعديلات القضائية»، فالمجتمع ينقسم، والتمرُّدات تزداد وتشمل طيّارين، وضبّاطا، ووحدات عاملة في «السايبر»، وثمة من يدعو إلى عصيان مدني.

الأزمة إسرائيلية مئة بالمئة، ولا علاقة لها بالفلسطينيين وقضيّتهم، فإزاء ذلك يتّفق الجميع في إسرائيل، وهي أزمة لا حلول لها سواء تمّ إقرار قانون يُقوّض سلطة القضاء، أو تمّ تأجيل اتخاذ مثل هذا القانون. إن أقر فالأزمة مع «المعارضة» التي تتّسع وإن تمّ تجاهله فالأزمة تهدّد وجود الحكومة.

في هذا السياق، لا ينبغي المراهنة على ما ورد على لسان الرئيس الأميركي جو بايدن، ولا على ما يُقال من أنّ الإدارة الأميركية، بصدد مراجعة وتقييم العلاقة مع إسرائيل.

المنطلق الأساسي لمثل هذه التصريحات، الخوف على إسرائيل، ومحاولة الضغط من أجل التراجع عن «التعديلات القضائية» لصالح عودة الوحدة الداخلية، أما الحديث الأميركي عن الاستيطان، والتصعيد ضدّ الفلسطينيين، فهو تكرار لخطابٍ كاذب، يستهدف زيادة الضغط على حكومة نتنياهو ليس أكثر، ولو كانت الإدارة الأميركية جادّة، لنفّذت بعض الوعود التي قطعتها للفلسطينيين قبل وبعد انتخاب بايدن.