ads image
علم 24 #غزة_تُباد
علم 24

مقالات

لا تجيبي سيرة نيكاراغوا!

09/04/2024 الساعة 03:33 (بتوقيت القدس)

كتب: سهيل كيوان

كلّما ذُكر اسم نيكاراغوا في الأخبار، أتذّكر وأعتقد أنّ كثيرين مثلي من الكهول يذكرون تلك المشادّة التي وقعت بين غوار (دريد لحام) وزوجته رضية (هالة شوكت) في مسرحية كاسك يا وطن من إبداع محمد الماغوط، إذ تهبُّ زوجته في وجهه: لَك تِضرَب إنت ونيكاراغوا، فيغضب ويثور: لا تجيبي سيرتها لنيكاراغوا... أنت قدها لنيكاراغوا! ويتخلّل هذا حوار مع أبو رياح (عمر حجو) الذي يعاتبه بدوره لأنّه أحبّ هذه التي اسمها نيكاراغوا

تزامن عرض مسرحية كاسك يا وطن في العام 1979 وهو عام انتصار جبهة السّاندينو على نظام الدكتاتور سوموزا.

اسم نيكاراغوا يشغل حيّزًا محترمًا في الذاكرة الفلسطينية، إلى جانب عدّة دول في أميركا اللاتينية مثل بوليفيا وتشيلي والبرازيل والمكسيك وفنزويلا وكولومبيا، التي تدين الحرب على قطاع غزّة وتعتبرها حرب إبادة ضد الشعب الفلسطيني وليس ضد حركة حماس التي هاجمت إسرائيل في السّابع من أكتوبر 2023.

يعود اسم جبهة الساندينو إلى قائد ثوري حارب الاحتلال الأميركي لنيكاراغوا في عشرينات وثلاثينيات القرن الماضي.

أطاحت جبهة السّاندينو بحكم عائلة الدكتاتور سوموزا المدعوم أميركيًا في عام 1979 بعد أربعة عقود من الحكم، واستلمت زمام الحكم، الذي أقامته على أسسٍ اشتراكية، حيث جرى تأميم الشّركات الكبيرة.

لم تسلّم أميركا بهزيمة الدكتاتورية الموالية لها، فدعمت ثورةً مضادة لجبهة الساندينو أدت إلى حرب أهلية من عام 1981 حتى عام 1989، بعدها جرت انتخابات حُرّة وخسرت الجبهة الأكثرية في الانتخابات عام 1990.

لكنّ جبهة الساندينو عادت بقيادة أورتيغا عام 2006 وتسلّمت السُّلطة من خلال الصندوق والانتخابات الديمقراطية، وما زالت حتى يومنا هذا في سدّة الحكم بقيادة الرئيس دانئييل أورتيغا.

تقع نيكاراغوا في وسط أميركا اللاتينية ومساحتها أكثر من 130 ألف كيلو متر مربّع، وعدد سكانها خمسة ملايين ومائتي ألف نسمة، عاصمتها ماناغوا ولغتها الرسمية الإسبانية، وفيها لغات أخرى مثل الميسكيتو والسّومو.

احتلت أميركا نيكاراغوا من العام 1912 إلى عام 1932.

مواقف نيكارغوا متعاطفة جدًا مع نضال الشعب الفلسطيني، ومن المنطلقات المشتركة للقوى التي تعرّضت وتتعرض للاحتلال وللغبن ولعدوان الإمبريالية الأميركية وأذرعها، ولهذا فإن الشعب في نيكارغوا حسّاس جدًا لموضوعة الحرية والاستقلال.

انضمت نيكارغوا إلى جانب جنوب إفريقيا في الدّعوى الموجّهة ضد الاحتلال الإسرائيلي لارتكاب مجازر إبادة عرقية.

ولم تتوقّف نيكاراغوا عند هذا، بل طالبت بمحاكمة دول متواطئة مع جرائم الاحتلال مثل ألمانيا وتَعتبر أنّها سهّلت لإسرائيل القيام بعمليات إبادة من خلال دعمها بالسّلاح من جهة، ومن جهة أخرى وقف دعمها لوكالة الأونروا التي تشغّل عشرات آلاف اللاجئين، الأمر الذي يعني تشديد الحصار على الفلسطينيين.

في شباط من هذا العام، افتتحت في ماناغوا العاصمة حديقة عامة باسم فلسطين، وهي الثانية من نوعها في العاصمة التي تحمل الاسم نفسه، كذلك فقد أطلقوا على شارع كبير يصل إلى الحديقة نفسها اسم غزّة.

تعرّضت جبهة السّاندينو إلى إدانات أميركية ومحاولات تأليب الشّعب عليها لإفشالها وأقامت جبهة الكونترا ودعمتها بالمال والسّلاح لزعزعة النظام بحجة المطالبة بالديمقراطية

إذا قارنّا بين مواقف دول أعضاء في جامعة الدول العربية القريبة، مع موقف نيكاراغوا البعيدة لرأينا الفارق الشاسع بين دول شقيقة تقمع شعوبها وتحرمها من رؤية ما يحدث في فلسطين، وتمنعها من التعبير عن غضبها ومن حقها في نصرة شعبٍ شقيق، وتتعامل مع المحرقة في قطاع غزة كحدثٍ ثانوي، مكتفية بين حين وآخر بإصدار بيان شبه حيادي حول الصّراع، دون ممارسة أي وسيلة ضغط تملكها، وهي دائما أنظمة على وفاق دائم مع السياسة الأميركية ولا تستنكر موقفا واحد من سياساتها، بل نراها تتحلى بكثير من الحيادية المفتعلة من الصراع في الوقت الذي يجري فيه تجويع شعبٍ حتى إبادته.

موقف نيكاراغوا يستحق التقدير، وهو نموذج مثله مثل موقف جنوب إفريقيا، على الرغم من الفارق في النظام الداخلي للدّولتين، من حيث أن جنوب إفريقيا تتمتع بنظام أكثر ديمقراطية، وهذه تفاصيل لسنا هنا في صدد الدّخول فيها.

ليت الأنظمة العربية تشعر بالحمية مثل نيكاراغوا، وغيرها من دول أميركا اللاتينية.

بعد أكثر من أربعة عقود على خلاف غوار الطوشة مع زوجته رَضِية بسبب نيكاراغوا، ما زالت نيكاراغوا وجبهتها من أكثر البلدان المناصرة لحقوق الشعب الفلسطيني، وعلى هذا تستحق تحيّة ومحبّة كبيرة.