ads image
علم 24 #غزة_تُباد
علم 24

مقالات

مثلّث الاعتدال الشرق أوسطيّ: مصر - السعودية - تركيا

21/08/2023 الساعة 05:00 (بتوقيت القدس)

الكاتب: نبيل عمرو


لدينا في الشرق الأوسط مثلّث اعتدال مدجّج بالإمكانيّات، وفي مجال الأوزان الدولية تمتلك أضلاعه الثلاثة مصر والسعودية وتركيا إمكانيات جدّية في التأثير على المعادلات، من داخلها ومن حولها.

مصر: عبقرية التاريخ

يُسمع أحياناً ما يُقال عن تراجع وزنها ومكانتها الإقليمية والدولية، وهذا قول ينطوي على سذاجة في قراءة القوى وأوزانها، وكأنّ مواجهة أزمات كالإرهاب والاقتصاد يُفقد المكانة ويحوّل الدولة الإقليمية العظمى إلى دولة هامشية.

مصر دائماً هدف مركزيّ لجميع القوى الطامحة إلى السيطرة على الشرق الأوسط، وهنالك تكالب دائم لهذه القوى، هدفه أن تظلّ دولة أزمات، ما إن تتجاوز واحدة حتى تواجه ثانية. غير أنّ الأزمات والحروب والخسارات لم تُضعف من مكانة مصر. تصيبها بجراح نعم، أمّا أن تلغي عبقرية المكان والتاريخ، فهذا أمر لا تنال منه العوارض مهما تكاثرت.

الخلاصة: يصعب أو يستحيل رؤية شرق أوسط بلا مصر كعمود أساس فيه، ومصر ينبغي أن تُقوَّم كما هي.. فهي كيان عصيّ على الإضعاف، وإلغاء المكانة والدور.

السعوديّة: "السياسة" الأساس

أرفض وصف المكانة التي وصلت إليها المملكة الآن بـ"الطفرة". فالأمر أعقد من ذلك وأعمق. ومثلما نُظر لمصر في مجال النفوذ الكوني والسيطرة، نُظر للسعودية. وكأنّ سيناريو واحداً يُستنسخ لجعل أهمّ دولتين عربيّتين مسلمتين في حالة حصار دائم، وحاجة مصيرية للآخرين. الطفرة المفاجئة والصدفة التاريخية لا مكان لهما في تحليل نشوء القوى واتّساع النفوذ. حين تُحصي دولةٌ ما لديها من إمكانيات، وبصورة لا تقليل فيها ولا تضخيم، وتضع سياسة داخلية وخارجية متناسبة بدقّة مع هذه الإمكانيات... ساعتئذٍ تؤسّس أرض نفوذها الصلبة، وتفتح الدروب والمسالك التي كانت مغلقة، لدخول الحياة الدولية ومؤسّسات صنع القرار فيها. لنتذكّر كيف وُجد وانتعش لوبي عملاق داخل الولايات المتحدة حمّل السعودية المسؤولية عن تفجيرات 11 أيلول في نيويورك، ووصل حدّ المطالبة بحصارها، وإعلان الحرب عليها، ولم تتجاوز السعودية هذا "المضيق الأميركي" إلا بإنتاج سياسة تتيح ذلك.


في الوقت الراهن.. ألم يسعَ الإرهاب بشتّى صنوفه إلى جعل المملكة من أقصى حدودها إلى قلبها ساحةً للتخريب والدمار وما يُنتجان من آثار هدفها إضعاف المملكة وإلغاء دورها الراهن والمستقبلي؟

لم تنجح السعودية في التغلّب على الإرهاب بدعم من أيّ جهة، ولم تتجاوز الحرب عليها ومن يقف وراءها بفعل طفرة أو صدفة، وإنّما بفعل سياسة داخلية وخارجية وفّرت ذلك. وفي هذا الزمن وفي كلّ الأزمان، لا تحصد غير ما تزرع، وما يزرعه الآخرون فهو لأنفسهم وبالتأكيد على حساب غيرهم.

تركيا: صفر أزمات

في لقاء ضَمَّني وأحد أهمّ مستشاري الرئيس رجب طيّب إردوغان على غداء دعانا إليه سفيرنا آنذاك في أنقرة السيد نبيل معروف، ولأنّني لم أكن رسمياً ولا مبعوثاً للرئيس، ولا أيّ شيء من هذا القبيل، قلت للرجل الذي يجيد العربية أفضل منّي: "للشرق العربي بما في ذلك مغربه مفاتيح لا يملك أحد مهما بلغت قوّته تجاوزها، وأهمّها مصر والسعودية، من دون التقليل من أهميّة دول عربية قويّة كالمغرب والجزائر وغيرهما"، وقلت بصريح العبارة إنّ "التضحية بالعلاقة مع مصر والسعودية استثمار مضمون الخسارة، ونصيحتي أن يبادر الرئيس إردوغان إلى العودة لسياسة صفر أزمات. خصوصاً مع هاتين الدولتين. وإذا كان من حرَج جرّاء التزامات تركيا مع الإخوان المسلمين، فلتذهب إلى الوساطة، وليس إلى الانحياز وبناء السياسات كما لو أنّ محطة تلفزيونية يمكن أن تُسقط النظام في مصر وتعيد مرسي إلى القصر الجمهوري".

كان المستشار يهزّ رأسه موافقاً.

ليس مطلوباً إعلان حرب على أيّ طرف من أطراف المعادلة الإقليمية والدولية، وليس مطلوباً حصار أحد والتدخّل في شؤونه لإحداث تغييرات فيه، وليس مطلوباً دخول تنافس عدائي يمكن أن يوصف بالصراع. المطلوب أن توظَّف الإمكانيات على نحو إيجابي لتحقيق استقرار في منطقة مثلّث الاعتدال، وفي شأن القضية الأساسية التي تُثبت كلّ مرّة أنّها مركزية، فأضلاع المثلّث تتّحد على موقف عقلاني يحترمه العالم وجزء كبير من إسرائيل، ولا يخرج عمّا قرّرته الإرادة الدولية بإجماع نادر من أجل حلّ هذه القضية، وليس صدفة ولا طفرة أن تكون المبادرة العربية للسلام بمضمونها السلمي المعتدل الأساس الدائم للحلّ.