ads image
علم 24 #غزة_تُباد
علم 24

منوعات

محمد الفايد عاش بريطانياً ومات مصرياً

03/09/2023 الساعة 08:32 (بتوقيت القدس)

(أ ف ب) -حقّق محمد الفايد الكثير مما أراده في حياته، من الشهرة والحضور الى امتلاك الفنادق والمتاجر الفخمة، لكن الملياردير المصري الأنيق رحل الجمعة بدون أن ينال اعترافا رسميا من "مؤسسة" النخبة في بريطانيا حيث أفنى غالبية سني عمره الـ94.

لا يُختصر الفايد باستثماراته وممتلكاته. اكتسب اسمه شهرته في ظرف لم يتوقعه: علاقة غرامية بين نجله عماد ("دودي") وديانا، الأميرة المبعدة من العائلة المالكة بعد افتراقها عن تشارلز، ولي العهد حينها والمتربع على العرش حاليا.

كانت هذه العلاقة، ونهايتها المأسوية في نفق ألما في باريس عام 1997، النقطة التي أفاضت كأس العلاقة المرّة بين الفايد والنخبة الحاكمة في بريطانيا. كان المصري شديد الوضوح في اتهامه: حادث السيارة الذي أودى بالعشيقين كان مدبّرا بأمر من دوق ادنبره الراحل فيليب، زوج الملكة إليزابيت الثانية، بهدف الحؤول دون ارتباط محتمل بين مسلم والسيدة التي ستصبح يوما "والدة ملك بريطانيا".

لم يوفر الفايد أدلة تدعم اتهاماته التي شكّلت مفترقا في علاقته بالحُكم. وعلى رغم إقامته المديدة في بريطانيا واستثماراته واتقانه الانكليزية بلكنة أهلها، لم يُمنَح جنسية المملكة أو موقعا في دوائر النخبة الحاكمة.

عُرف الفايد بالكثير من العلامات الفارقة: صراحته في التعبير الحاد عن آرائه، إطاحته بكبار من حزب المحافظين، استحواذه على متاجر هارودز، وملكيته لفندق ريتز في باريس ونادي فولهام الإنكليزي لكرة القدم.

حجرا حجرا، بنى امبراطورية تجارية تشمل مجالات الشحن والعقارات والمصارف والبيع بالتجزئة والمقاولات. ومما حصد، أنفق في فعل الخير عبر مؤسسات تساعد الأطفال في بريطانيا وتايلاند ومنغوليا.


عرف كيف يصنع لنفسه اسما، بالمعنيين الفعلي والمجازي. فكما بنى نفسه في مجال الأعمال والثروة التي قدّرت العام الماضي بنحو 1,9 مليار جنيه استرليني، اختار لنفسه اسم "الفايد" بعدما أضاف أل التعريف الى كنيته.

بدأ الرجل الذي وصفته الصحافة البريطانية يوما بـ"الفرعون المزيف"، حياته في كنف عائلة متواضعة لمدرّس في الاسكندرية. تلمّس طريقه في عالم التجارة عبر بيع المشروبات، وانتقل بعدها الى ماكينات الخياطة.

بدأ الفايد المولود عام 1929، يخطّ مسار النجاح حين تعرّف الى الثري وتاجر السلاح السعودي المعروف عدنان خاشقجي وتزوّج شقيقته سميرة.

في الستينات، أصبح مستشارا لسلطان بروناي، وانتقل في العقد اللاحق للإقامة في بريطانيا.

اشترى محمد وشقيقه علي فندق ريتز في باريس عام 1979، قبل ستة أعوام من الاستحواذ على درّة تاج امبراطوريته التجارية، أي متاجر هارودز الفاخرة في لندن بعد معركة مضنية مع رجل الأعمال البريطاني رولاند راولاند.

خلص تحقيق أجرته الحكومة البريطانية ونشرت نتائجه عام 1990، الى أن الفايد وشقيقه تلاعبا بشأن ثروتهما وأصولها لضمان الحصول على هارودز.

رفض الشقيقان نتائج التحقيق. وبعد خمسة أعوام، ردّت السلطات أول طلب قدّمه للحصول على الجنسية البريطانية.

لم يستكن الفايد حيال السياسيين البريطانيين، وكشف للصحافة أنه دفع أموالا لنواب محافظين لطرح أسئلة في البرلمان، ما أطاح اثنين منهم.

فضح تورّط الوزير البريطاني جوناثان آيتكن في صفقات أسلحة سعودية، وكان مصير الأخير السجن لإدانته بالتزوير وإعاقة مسار العدالة.


عرفت حياة الفايد نقطة تحوّل مأسوية في آب/أغسطس 1997: على الجانب الآخر من بحر المانش، قضى دودي وديانا في حادث سيّارة كان يقودها أحد موظفيه هنري بول، داخل نفق في العاصمة الفرنسية.

مدى الأعوام اللاحقة، رفض الفايد الإقرار بأن الحادث الذي وقع أثناء مطاردة من قبل مصوّري المشاهير، كان ناتجا من السرعة الزائدة وشرب السائق للخمر وتناوله الأدوية المضادة للاكتئاب.

اتهم الفايد العائلة المالكة والاستخبارات البريطانية بتدبير الحادث وأقام نصبين في هارودز تخليدا لذكرى المأساة ومن راح ضحيتها.

إضافة الى خسارته العائلية، دفع ثمن اتهاماته باهظا: في العام 2000، خسر هارودز امتيازا ملكيا من فيليب جراء ما عدّه قصر باكينغهام "تراجعا في العلاقة التجارية" بين الأمير والمتجر. وفي وقت لاحق من العام ذاته، ردّ الفايد بإلغاء كل الامتيازات المتبقية للملكة والملكة الأم وتشارلز.

شدد الفايد في 2003 خلال إعلان انتقاله للإقامة في سويسرا، أن المؤسسة الحاكمة في بريطانيا "تكره صراحتي وتصميمي على معرفة الحقيقة"، منتقدا تعرّضه لمعاملة "غير عادلة" من قبل سلطات الضرائب في المملكة المتحدة.


في 2010، باع الفايد هارودز لشركة قطر القابضة في صفقة قدّرت قيمتها بـ1,5 مليار جنيه استرليني (2,2 مليار دولار). وأتى ذلك بعد ثمانية أعوام من تعبيره في حديث لصحيفة "فايننشال تايمز" عن رغبته في أن يسجّى جثمانه داخل قفص زجاجي على سطح المبنى ليتمكن الناس من "زيارتي".

على رغم مخاوفه والتكتم المحيط بنشاطه وعاداته غير المألوفة، قاد الفايد هارودز الى تحقيق نجاحات لا يمكن إنكارها. فبعد مرور عشرة أعوام على استحواذه على المتاجر، ارتفعت المبيعات بنسبة 50 في المئة، والأرباح من 16 مليون جنيه الى 62 مليونا.

بعيدا من التجارة، استحوذ أواخر التسعينات على نادي فولهام اللندني، وحوّله من فريق مغمور الى حاضر دائم في الدوري الإنكليزي الممتاز لكرة القدم، قبل بيعه في 2013.

في صراعه الدائم مع السلطات البريطانية، بقي الفايد وفيا لجذوره، ورأى فيها سببا للتعامل الذي يلقاه.

وقال لصحيفة "نيويورك تايمز" عام 1995، إن طريقة التعامل هذه تنبع من "الخيال الاستعماري والامبراطوري".

وأضاف "يعتقدون أن كل من يأتي من مستعمرة، كما كانت مصر سابقا، هو نكرة... لذا تثبت أنك أفضل منهم، تقوم بأمور تجعل منك حديث البلد. عندها يسألون أنفسهم +كيف يمكنه القيام بذلك؟ هو مجرد مصري+".