اقتصاد
2024 .. عام الإبادة المعيشية في غزة
غزة: قفز معدل غلاء المعيشة بشكل حاد في قطاع غزة خلال الأشهر القليلة الماضية، وسط استمرار حرب الإبادة الإسرائيلية للشهر الخامس عشر على التوالي، والقيود الإسرائيلية المفروضة على دخول البضائع من السلع الأساسية والمواد الغذائية بشكل كبير.
ويتحكم الاحتلال الإسرائيلي في حركة البضائع والشاحنات عبر المعابر الحدودية للقطاع، لا سيما بعد سيطرته على معبر رفح الحدودي في شهر مايو/أيار الماضي، علاوة على إدخال كميات محدودة من الشاحنات لا تتجاوز في المعدل المتوسط 50 شاحنة يومياً.
وحذر مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، في تقرير صدر مؤخرا، من أن المخابز التي تعد شريان حياة لمئات آلاف الفلسطينيين الجوعى أو المتضورين جوعا في غزة على وشك الإغلاق، إن لم تكن قد أغلقت بالفعل، بسبب نقص الدقيق والوقود. وانعكس الحصار ومنع دخول الغذاء إلى القطاع بالسلب على معدل غلاء المعيشة نظراً إلى زيادة الطلب وقلة العرض في الأسواق المحلية ولجوء الفلسطينيين في القطاع لشراء المواد بأضعاف أسعارها التقليدية وغياب الجهات الحكومية بشكل فعال عن ضبط الأسعار.
فشل المحاولات الحكومية
في المقابل: ورغم المحاولات التي تقوم بها الجهات الحكومية لضبط الأسعار والأسواق، إلا أنها لم تفلح في كسر حدة الغلاء، ما انعكس بالسلب على صعيد انعدام الأمن الغذاء لنحو مليوني نازح يعيشون على مساحة 35 كيلومتراً مربعاً من إجمالي مساحة القطاع البالغة 365 كيلومتراً مربعاً. وحسب بيانات الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، فإنه بعد مضي 13 شهراً من العدوان الإسرائيلي المتواصل على قطاع غزة، ارتفع مؤشر غلاء المعيشة هناك بشكل حاد بلغت نسبته 490%.
وتعكس هذه الارتفاعات الواقع المأساوي الذي يعيشه سكان القطاع إلى جانب تداعيات الحرب الإسرائيلية المتواصلة للعام الثاني على التوالي، والمشهد الاقتصادي والاجتماعي المتردي في ضوء التدمير وتكرار حالة النزوح.
وبلغت معدلات الفقر 90% فيما ارتفعت معدلات انعدام الأمن الغذائي لذات النسبة، في وقت تعطل فيه معظم سكان القطاع عن العمل نظراً إلى حالة الشلل التي أصابت مختلف المنشآت، لا سيما القطاع الخاص، بالإضافة إلى العاملين بنظام المياومة.
وبحسب تقرير للبنك الدولي: فإن جميع السكان يعانون من الفقر بنسب متفاوتة، في الوقت الذي انخفض فيه الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي للأراضي الفلسطينية 35% في الربع الأول 2024، وهو "الأكبر على الإطلاق"، وفق التقرير.
وذكر تقرير البنك الدولي: أن اقتصاد غزة انكمش خلال الفترة من السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023 وحتى سبتمبر/ أيلول الماضي بنسبة 86%، وهو معدل قياسي مقارنة مع نسبة الانكماش التي شهدتها الضفة الغربية بنسبة 25% فقط.
مجاعة
في الأثناء: يقول رئيس شبكة المنظمات الأهلية - أمجد الشوا إن حالة الارتفاع في معدلات الغلاء تعكس حالة المجاعة التي يعيشها الشعب الفلسطيني والتي انتشرت في غالبية المناطق، لا سيما في منطقة شمالي القطاع. ويضيف الشوا لـ"العربي الجديد" أن مناطق الوسط والجنوب تشهد حالة إغلاق في المخابز و"التكيات" التي تقدم الطعام بسبب حالة النقص الشديد في المواد الأساسية والارتفاع الكبير في الأسعار وعدم دخول كميات كافية من السلع.
ووفقاً لرئيس شبكة المنظمات الأهلية: فإن ما يدخل إلى القطاع لا يلبي الحد الأدنى من الاحتياجات الأساسية في ظل عدم توفر مواد تغطي الاحتياجات، حيث بلغ معدل الفرد من الخبز رغيفاً واحداً فقط في اليوم، وهو مؤشر خطير على الواقع الغذائي.
ويشير: إلى أن الاحتلال الاسرائيلي منذ بدء هذا العدوان منع دخول إمدادات الغذاء والدواء والمياه والطاقة، فيما قام بتدمير ممنهج للبنى الاقتصادية والاجتماعية في غزة بهدف زيادة اعتمادية السكان على المساعدات، وفي الوقت نفسه، قام بفرض قيود على دخول المساعدات.
ويعاني أكثر من 1.8 مليون فلسطيني في غزة من مستويات "حرجة للغاية" من الجوع، حيث جرى تدمير 70% من الأراضي الزراعية وتدمير سبل العيش خلال الهجوم العسكري الإسرائيلي، وفقًا لتقييم أمني غذائي مدعوم من الأمم المتحدة صدر في شهر أكتوبر الماضي. ويلفت الشوا إلى أن ما يدخل من بضائْع هو في إطار الاستثناءات وضمن شروط وقيود كبيرة جداً، ما يجعل الأسعار مرتفعة بشكل غير مبرر مع دخولها بكميات قليلة فضلاً عن بعض الاحتكارات في ظل هذه الكارثة الإنسانية.
قفزة معدلات التضخم في غزة
من جانبه: يرى الصحافي والباحث في الشأن الاقتصادي - أحمد أبو قمر أن ارتفاع مؤشر أسعار المستهلكين (التضخم) طبيعي في ظل الارتفاع الحاد للأسعار، لا سيما مع وصول النسبة إلى 490% في الفترة الأخيرة.
ويوضح أبو قمر أن هذا المؤشر يأخذ عينة من بعض السلع التي تعتبر سلعاً أساسية ويقوم بالقياس عليها، في حين أن بقية السلع غير محسوبة في المؤشر، وفي حال إضافتها، فإن النسبة سترتفع بشكل أكبر. وحسب الصحافي والباحث في الشأن الاقتصادي، فإن الندرة وقلة المعروض في الأسواق، مع حاجة المواطنين ومنع الاحتلال إدخال الشاحنات المطلوبة لإغاثة الناس، هما السبب الرئيسي في حالة الارتفاع الحالية.
ويلفت إلى أن إجمالي الشاحنات التي تدخل إلى القطاع خلال الفترة الحالية تتراوح ما بين 10% و13% من إجمالي الشاحنات التي كانت تدخل قبل الحرب الإسرائيلية على غزة، ما أسهم في شح كبير في الأسواق. ويبين أبو قمر أن من بين أسباب ارتفاع مؤشر الغلاء هو زيادة تكلفة هذه البضائع لسببين هما التنسيقات التي تُدفع من أجل إدخال البضائع، بالإضافة للسبب الآخر المتمثل في توفير طواقم تأمين للشحنات لمنع سرقتها.
ويلفت إلى أن الحلول التأسيسية لمعالجة مشكلة التضخم تتمثل في إدخال السلع بشكل كبير ومنع الاحتكار من قبل التجار، بالإضافة للعمل على تأمين الشاحنات الواردة إلى القطاع ووقف عمليات الاستهداف التي تتعرض لها. ويبين أن القطاع يحتاج خلال الفترة الحالية نحو 400 شاحنة بالمعدل اليومي لوقف ارتفع معدلات التضخم وإغراق السوق بالبضائع، لا سيما الأساسية منها التي يحتاجها المواطنون للوصول إلى وقف حالة التجويع.