مقالات
"إسرائيل" بدأت تدرك أنها لا تستطيع تحقيق أهداف الحرب
كتب (سليمان أبو راشد)
بعد ما ينوف عن مئة يوم مثلت أطول الحروب التي خاضتها إسرائيل ضد العرب والفلسطينيين وأكثرها إرهاقا لقدراتها العسكرية والاقتصادية والنفسية، رغم استعمالها لكامل طاقتها التدميرية (التقليدية) في مساحة جغرافية تزيد قليلا عن 1% من مساحتها وقتالها ضد قوات تقل عن 1% من تعداد قوات جيشها الذي وصف بالجيش الذي لا يقهر، ها هي إسرائيل في طريقها إلى الخروج من غزة وهي تجرجر أذيال الخيبة والفشل بعد أن عجزت عن تحقيق أهدافها المعلنة لحربها الدموية وهي بالقضاء على حركة حماس وتحرير الأسرى الإسرائيليين بالقوة العسكرية.
ورغم الخطاب "الحماسي" وتخوف القادة من قول الحقيقة، حسب تعبير زعيمة حزب العمل السابقة، شيلي يحيموفيتش، فإن "جيش الدفاع الإسرائيلي" يخرج ببطء من غزة دون أن يعيد أيا من المخطوفين الـ136 المستباحين ويعانون الجوع والمرض والإهانة، ورغم أنها (إسرائيل) موجودة في مراحل متقدمة للاستجابة لشرط حماس المركزي لتحرير الرهائن والمتمثل بوقف إطلاق النار، إلا أن قادتها يفتقرون إلى الشجاعة لفعل وقول ذلك علنا.
يحيموفيتش ترصد مؤشرات التقليص الكبير للقوات في الميدان، تسريح الاحتياط، تقليص ساحة القتال إلى خانيونس فقط، تقليل الغارات الجوية، زيادة إدخال المعونات الإنسانية، إعادة بناء السيادة الحماسية والتصريح العلني لوزير الأمن، يوآف غالانت، حول الانتقال إلى مرحلة أقل حدة، للوصول إلى الاستنتاج المتمثل بوقف إطلاق النار، وترى أن المكابرة الإسرائيلية والخشية من الاتهام بالانصياع لمطالب حماس هي فقط ما يمنع استعادة الأسرى مقابل ذلك، عوضا عن الدخول في مرحلة "مكانك عد" التي لن تقود لا إلى تحرير الأسرى ولا إلى القضاء على حماس.
وباللغة العسكرية فإن تحقيق هدف الحرب المتمثل بـ"اجتثاث حماس" لا يلوح في الأفق، بل هو يبتعد مع كل يوم يمر، كما يقول الجنرال احتياط يتسحاك بريك، وإذا كانت تلك هي صورة الوضع بعد أشهر وحتى سنوات، فلا جدوى، حسب رأيه، من استمرار القتال داخل خانيونس وتحقيق إنجازات تكتيكية ليس من شأنها تقويض حماس ولا "اجتثاث" سلطة حكمها.
بريك يقول إن مواصلة إسرائيل لحربها في خانيونس ومخيمات وسط غزة لنصف سنة قادمة، سيتسبب لها بمئات القتلى وآلاف الجرحى بمعدل 2-4 قتلى يوميا والكثير من الجرحى بينهم من هم جراحهم صعبة، مع احتمالات كبيرة بعدم القضاء على حماس التي ستواصل سيطرتها في مخيمات رفح والتواصل مع شمالي القطاع ووسطه من خلال مئات الكيلومترات من الأنفاق التي تحتاج إسرائيل إلى سنوات لتدميرها إذا ما تيسر لها ذلك، مشيرا إلى أن رجال حماس الذين يخرجون من فتحات الأنفاق يتجولون اليوم في مدينة غزة ومخيم جباليا وغيرها من المناطق "المحتلة"، يقاتلون ويوزعون الغذاء على السكان المدنيين.
وبدا في الأيام الأخيرة أن الفشل العسكري للحرب قد أعاد انقسام الشارع الإسرائيلي وساسته بين من يميلون إلى الخروج بأقل ضرر وبعض المكاسب مثل إعادة الرهائن عبر صفقة تبادل، والحديث عن آيزنكوت وغانتس، وبين من يسعون إلى مواصلة الحرب حتى النهاية على أمل تحقيق النتائج التي لم تتحقق حتى الآن، والحديث عن نتنياهو وغالانت رغم التفاوت بينهما، كما أعاد أيضا التباين في مواقف إسرائيل وأميركا حول ما تسميه الأخيرة باليوم التالي، ما بعد حماس، الذي تحول إلى ما بعد نتنياهو.
أميركا التي تحاول إنقاذ إسرائيل بالسلم بعد أن فشلت في إنقاذها بالحرب عبر العودة إلى مسار التطبيع الخليجي الذي توقف قطاره عند السعودية، عبر إعادة تسييره بعد ربطه اضطرارا بالقضية الفلسطينية التي أفشلت عملية "طوفان الأقصى" الالتفاف عليها، تعود إلى معزوفة حل الدولتين والسعي لتصميم أو تطوير سلطة فلسطينية تتساوق مع هذه المشاريع لتُولى إدارة شؤون غزة وإعادة إعمارها بأموال سعودية وخليجية.
إن هذا التصور الأميركي الذي يختص به أساسا الحزب الديمقراطي يصطدم بتوجه اليمين الاستيطاني الإسرائيلي الذي يقوده نتنياهو، والمعني بإطالة أمد "الحرب" في قطاع غزة رغم إدراكه بأنها لن تحقق أهدافها السياسية، ليس فقط للهروب من نتائج لجان التحقيق ومحاكماته الجنائية التي تنتظره بعدها، بل للهروب أيضا من تمرير التصور الأميركي الذي يتعارض مع توجهه السياسي في الإبقاء على حالة الانقسام الجغرافي - السياسي بين الضفة وغزة لمنع إقامة دولة فلسطينية، وكسب المزيد من الوقت وصولا إلى دخول مرحلة الانتخابات الأميركية وعلى لأمل بفوز ترامب الذي يتفق معه في الرؤية السياسية.