مقالات
لا اتّفاق بدون غزّة
كتب: سليمان أبو راشد
بالرغم من الأهداف "المتواضعة" الّتي وضعتها إسرائيل لحربها على لبنان، والّتي خلت من البلاغة الّتي سادت في حربها على غزّة، على غرار "القضاء على حزب اللّه وتفكيكه" أو حتّى "القضاء على مخزون صواريخه القادرة على دكّ العمق الإسرائيليّ"، مكتفية بإدراج هدف إعادة سكّان الشمال إلى مستوطناتهم ضمن أهداف الحرب، وهو ما يستدعي شنّ عمليّة عسكريّة لإبعاد قوّات حزب اللّه إلى حدود نهر الليطاني وفق ما نصّ عليه قرار مجلس الأمن 1701 الّذي أنهى حرب 2006، ووافق عليه حزب اللّه في حينه.
بالرغم من ذلك فإنّ بضعة أيّام من "القتال الكثيف" باللغة العسكريّة الإسرائيليّة، الّذي حوّل الجبهة الشماليّة من جبهة قتال إلى جبهة حرب حقيقيّة، والّتي حقّقت إسرائيل خلالها إنجازات كبيرة على صعيد ضرب الهرم القيادي للحزب وتوجيه ضربات لمواقعه العسكريّة في العمق اللبنانيّ، فإنّها وضعت إسرائيل أمام خيّارين لا ثالث لهما، إمّا الدخول في حرب برّيّة لدفع قوّات حزب اللّه إلى حدود الليطاني ليتسنّى لها إعادة سكّان الشمال، أو العودة إلى الخيار الدبلوماسيّ والتفاوض مع حزب اللّه بواسطة الحكومة اللبنانيّة للتوصّل إلى تسوية سياسيّة حول الموضوع.
في مقال نشره موقع "واينت" التابع لـ"يديعوت أحرونوت" يكشف الصحفيّ المختصّ بالشؤون الاستخباريّة رونين برغمان، أنّه رغم القيام بنقل قوّات نظاميّة وقوّات احتياط إلى الحدود الشماليّة وبضمنها وحدة 98، إلّا أنّ غالبيّة قيادة الجيش لا تريد تكرار الخطأ المرير الّذي سبق أن ارتكبته إسرائيل مرّتين في عام 1982، وفي عام 2006، والدخول في ما يسمّونه مصيدة الموت الّتي يعدّها حزب اللّه.
برغمان يشبه ما يحدث اليوم بما حدث خلال حرب 2006، حيث اعتقدت إسرائيل بأنّها تستطيع الانتصار على حزب اللّه بواسطة سلاح الجوّ دون القيام بهجوم برّيّ، وعندما فشلت بذلك، وواصل حزب اللّه إمطار المدن والمستوطنات الإسرائيليّة بالصواريخ، اضطرّت للدخول برّيًّا إلى لبنان والتورّط في هجوم وحرب لم يحقّقا أيًّا من أهدافهما.
ربّما يكون هذا هو السبب الّذي يقف وراء الحديث المبكّر والجادّ عن وقف إطلاق نار على الجبهة الشماليّة، خاصّة وأنّ أميركا هي المحرّك الأساسيّ لهذه المبادرة، وهو حديث لم تحظ به جبهة غزّة لا من حيث التوقيت ولا من حيث الجدّيّة، والّتي ما زالت بعد ما يقارب السنة على حرب الإبادة تفتقر إلى مفاوضات وقف إطلاق النار الخاصّة بها إلى تدخّل دوليّ جدّيّ ليخرجها إلى حيّز الفعل.
وفي وقت ما زال فيه الغموض يلفّ المقترح الأميركيّ- الفرنسيّ الّذي يجري الحديث عنه، وفيما إذا كان يشمل غزّة، أو أنّه يشير إلى قرار مجلس الأمن المتعلّق بوقف إطلاق النار هناك من باب رفع العتب فقط، فإنّ الواضح بالنسبة لنا أنّ حزب اللّه الّذي ربط وقف إطلاق النار على الجبهة الشماليّة بوقف إطلاق نار في غزّة، وتلقى كلّ تلك الضربات الأخيرة؛ بسبب ثباته على هذا الموقف لن يتنازل عن ذلك بالسهولة الّتي يروّج لها في وسائل الإعلام، مهما كانت الأسباب والظروف.
والقضيّة لا تتعلّق بالوفاء فقط، علمًا أنّه معيار أخلاقيّ له وزن كبير في المنظومة القيميّة لهذا الحزب، بل هي ترتبط بمصداقيّة هذا الحزب الّتي تتطلّب عدم الانكسار أمام إسرائيل ومنحها تنازلات مجّانيّة، وبمصلحته في تكريس ما يسمّيه بمحور المقاومة الّذي تشكّل حماس ركنًا مهمًّا فيه، وتعميق الثقة والتعاون بين أطرافه، إلى جانب عدم التفريط بالأثمان الّتي دفعها خلال سنة من هذه المواجهة في سبيل ذلك.
الصحفيّ الاستقصائيّ رفيف دروكر شكّك في مقال نشرته "هآرتس"، بأنّ الضربات الّتي تلقّاها حزب اللّه ستدفع زعيمه إلى فكّ الارتباط الّذي عقده مع غزّة منذ الثامن من أكتوبر، والذهاب إلى عقد اتّفاق منفرد مع إسرائيل وتجاهل عدم وجود اتّفاق مع غزّة.
دروكر قال متهكّمًا إنّ هذا المنطق يصحّ في المفاوضات الّتي نحبّ أن نجريها مع أنفسنا، مشيرًا إلى أنّ قدرة نصراللّه على إيلام إسرائيل غير مرتبطة بآلاف المقاتلين الّذين مسّتهم إسرائيل، ولا هي بحاجة إلى القدرات القياديّة لإبراهيم عقيل الّذي جرى اغتياله، بل إنّ إطلاق بضعة صواريخ ثقيلة إلى مراكز المدن الرئيسيّة في إسرائيل سيغيّر المعادلة، ويشكّل ضغطًا على متّخذي القرارات.
وهو يذكّر بالتورّط الإسرائيليّ في مارون الراس وبنزيف الدم في بنت جبيل قبل 18 عامًا، مثلما يذكر كذلك بأيّام القصف الجوّيّ المجنونة والطويلة في غزّة والأسابيع الكثيرة الّتي استغرقها احتلال بيت حانون والتمكّن من الدخول بعربات محصّنة.