ads image
علم 24 412 يوماََ و #غزة_تُباد
علم 24

مقالات

"المندوب السامي" بالضفة أم دولة المستوطنين!

01/12/2022 الساعة 10:55 (بتوقيت القدس)

بقلم: بكر أبو بكر

مرّت "إسرائيل" بسلسلة من المتغيرات منذ قيام الكيان على أرض فلسطين وفق قرار التقسيم عام 1948 دون قيام دولة فلسطين المنصوص عليها أيضًا في ذات القرار، وصولًا الى الانقلابات الداخلية الانتخابية التي أطاحت بمؤسسي الكيان وأفكارهم.

دلّلت المتغيرات والانقلابات الانتخابية المتتابعة على تحول المجتمع الإسرائيلي أكثر فأكثر نحو العنصرية وإقصاء الآخر، وكما دلّلت على التراجع السياسي الكبير من الأحزاب الحاكمة الى مستنقع العنصرية والإرهاب والقتل والتدمير للذات وللآخر.

حصل تراجع اليسارالإسرائيلي الى الخلف كثيرًا، (حاليا عام 2022م: ميرتس صفر والعمل مؤسس الدولة 4 مقاعد بالكنيست) وبرزت لدى الساسة وفي المجتمع الإسرائيلي عبر الزمن أمراض ميئوس من شفائها تمظهرت بالانحراف الكامل نحو اليمين المتطرف الذي يعني التقديس والتنزيه للذات ضمن الروايات الخرافية على أفضيلة الأجناس أو الشعوب.

تتغذي عقول اليمين المتطرف سواء الصهيوني أو الديني من سطوة القوة العسكرية ومن مرويات التوراة والتلمود الخرافية حول التاريخ اليهودي المرتبطة بأساطير "أرض الميعاد" وأساطير"الشعب المختار"، و"يهودا والسامرة" وخرافات "الأنبياء" المنتشرة بلا أي دليل علمي أو أثري في فلسطين. إنها ذات المرويات التي استغلت  منذ بداية نشأة الدولة الصهيونية وكما نص "إعلان استقلالها" لكنها كانت داخل المجتمع في زاوية بعيدة.

استطاعت الأحزاب المتطرفة اليمينية إحداث الانقلاب في المجتمع الإسرائيلي منذ الاستيلاء على الحكم بدءًا من العام 1977 بقيادة مناحيم بيغن رئيس منظمة "الأرغون" الإرهابية ثم خلفه شامير، لتحدث إنقلابًا في المفهوم (العلماني-القومي) للكيان فيتحول الى المفهوم الديني العرقي العنصري، وكان هذا التاريخ في حقيقة الأمرهو نهاية حقبة "الديمقراطية العلمانية" إن جاز التعبير، لتبدأ حقبة الثيوقراطية التي تتحكم بالدولة ضمن معايير ومفاهيم أسطورية دينية.

جاء أرئيل شارون لاحقًا ومنذ العام 1982م ليكرس المسار السياسي والعسكري والفكري المتطرف، منذ غزوه البربري للبنان ودخوله بيروت بالقوة الداهمة بمواجهة صمود فلسطيني-لبناني عز نظيره، ثم  مشاركته في مذبحة صبرا وشاتيلا التي راح حيتها مالايقل عن 3000 شهيد فلسطيني ولبناني، مرورًا باقتحامه المسجد الأقصى عام 2000م واشتعال الانتفاضة الثانية الكبرى والقضاء على أي حضور للاتفاقيات السياسية، وكانت هذه نقلة ثانية، حطمت ما كان مع الفلسطينيين، عقب مقتل رابين عام 1995م.

التغيير أو الانقلاب الثالث أحدثه "بنيامين نتنياهو" ملك "إسرائيل" المتوج، الذي بدا حائرًا أومراوغًا ومخادعًا بين المطالبات الدولية، وقرارة نفسة العنصرية الكارهة للعرب وترى أن إلغاء وجودهم بكافة الأشكال هو الحل، وفقًا للمدرسة الإلغائية التي نشأ عليها وهي مدرسة والده، ومدرسة أبوالتطرف والطرد للعرب مدرسة "فلاديمير جابوتنسكي" و"الجدار الحديدي". وفي كتاب نتنياهو القديم الشهير "مكان تحت الشمس" تجد أن لامكان إلا له، فلا مكان لغيره.

أما المرحلة الرابعة الحالية فتمثلت مع صعود اليمين الديني المتطرف من تلاميذ العنصري الإرهابي "كهانا"، وورثة فكر العصابات الصهيونية المؤسسة للكيان، والمنخرطين في دهاليز تاريخية خرافات التوراة، ودعاة تمجيد قاتل الفلسطينين الساجدين داخل الحرم الإبراهيمي عام 1994م، وهي المذبحة المروعة التي استشهد بها 33 فلسطينيًا.  فما كان منبوذًا لدى الكيان أصبح محتضنًا!

الدولة الصهيونية اليوم في النسخة الرابعة  تدخل مرحلة جديدة بعيدة كل البعد عن مفاهيم الأولين الذين نصوا في أعلانهم الأول على المساواة بين المواطنين! رغم المغالطات التاريخية الضخمة فيه، فكان "قانون القومية اليهودية" العنصري (عام 2018م) الإنجاز الثقيل لنتياهو ما مثّل تراجعًا فكريًا كبيرًا عن المسار الأول بحده الأدنى، ويلحقه اليوم ما يقوم به كل من حزبي المتطرفين الكبار بنظرتهم العنصرية الحاقدة والاستعلائية "بن غفير" و"سموتريش"، وبتمتع داخلي من "نتنياهو" بوجودهم وهو المقامر الذكي، والسياسي الذي يعد ويخلف ولا يرف له جفن.

لننظر الى المستقبل في تصريحات المتطرفين الجدد، فلقد قال "إيتمار بن غفير" حاكم الضفة الغربية القادم أو لنقل "المندوب السامي" بوصفه وزير الأمن القومي بما فيه الضفة الغربية-دوولة المستوطنين: "سأطالب أن يبحث مجلس الكابينيت في موضوع السماح لليهود بالصلاة في الحرم القدسي، لأن هذا مساواة في الحقوق لليهود، ومنعهم من الصلاة فيه سياسة عنصرية".(هآرتس)

فرد عليه الجنرال عاموس غلعاد رئيس معهد السياسات والإستراتيجية الإسرائيلي وقال: "عندما تحلل مواقف بن غفير في "يهودا والسامرة-هي الضفة من فلسطين" وخاصة في الحرم القدسي، ترى أن تعيينه يشكل وصفة لإشعال الوضع الإقليمي –(القناة 12) ومضيفًا على ذات القناة: "إن الحرم القدسي هو قنبلة حقيقية، محذرًا من اشتعال الأوضاع الميدانية في الضفة، مشددا على أنه سيكون لذلك "تأثير دراماتيكي" على العلاقات مع الأردن."

براغماتية نتياهو وخبثه السياسي يدعوه لاسترضاء المتناقضين داخليًا في موازنة مع مطالب الولايات المتحدة الامريكية، ودون التفات البتة للمجتمع الدولي أو الطرف الفلسطيني المنهك بمشاكله الداخلية والعربية، ودون التفات أيضًا لأطراف "اتفاقات إبراهام" الذين من المفترض أن لهم كلمة ما!؟ لكنه لا يعير ذلك التفاتًا لأنه يعلم أن القضية الفلسطينية بالنسبة لهم في ذيل قائمة الاهتمامات، إن لم تكن قد محيت أصلًا من القائمة.

نتنياهو أبو "قانون القومية اليهودية" الفاشي العنصري والمناهض الأول للدولة الفلسطينية سيقود حكومة من غُلاة اليمين الذين سيسترضيهم بشكل أو بآخر، فهو ليس بالبعيد عن معسكرهم الا في حجم الابتسامات وشكلها التي يوزعها على للعالم. وفي ذات الوقت يرسل رسائل للغرب مع قبلات تقول أنه هو الضابط المكين للحكومة القادمة، فلا داعي للقلق.

فلسطين اليوم مع بن غفير ونتنياهو وسموتريش حكام الضفة الاستعماريين الجديد مقبلة على مواجهات ومقاومة شعبية سلمية دافقة ثابتة لن تلتفت لمن هو بالحكم في "إسرائيل" بقدر ما ستكون عينها على تحرير فلسطين واستقلال دولة فلسطين وعبر انتفاضتهم الموحدة قد يجمعون الأشتات بين شمال وجنوب.

إنها مقاومة شعبية مكينة كنا قد توقعناها مع صعود نجم العصابات الاستعمارية الاستيطانية الإرهابية المتحالفة مع المفتين من الحاخامات، والمؤسسة العسكرية واليمين السياسي المنحرف يمينًا، وحاليًا مع "المندوب السامي" وحلفائه.

إنها العصابات التي روّعت البلاد بدعم الجيش، وتكاثرت اعتداءاتها في كامل أنحاء فلسطين بالضفة وغزة والداخل، والتي لم تألُ جهدا على تهويد القدس بكل ما تملك واحتلال المسجد الأقصى، وتحويلها المسجد الأقصى (مساحة المسجد الأقصى 144 ألف متر مربع، فهو كل ما دار حول السور والسور معه) لمنبر وكنيس يهودي بالأمر الواقع، ولا عرب ولا مسلمين يتحركون ولا يحزنون! فالأمة في سُبات عميق يُسمع منه صوت شخيرها العالي! ما عدا المجاهدون المناضلون الثائرون أصحاب الرباط والثبات من الفلسطينيين والأحرار بالعالم.