مقالات
قتل جنى: إسرائيل تستقبل المبعوثة الدولية
قتلت قوات الاحتلال الإسرائيلي الطفلة جنى زكارنة، البالغة من العمر 16 عاماً، عشية قدوم الممثلة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة المعنية بالأطفال والنزاعات المسلحة لزيارة الأراضي الفلسطينية، خلال اقتحام مدينة جنين بحجة اعتقال مقاومين فلسطينيين. وعملية الإعدام هذه كانت سيئة لإسرائيل التي تنتظر قراراً دولياً بوضعها على القائمة السوداء؛ باعتبارها ترتكب جرائم حرب، خاصة ضد الأطفال الفلسطينيين. بعد أن توقعت بعض الجهات الإسرائيلية أن تكون المبعوثة الدولية «حيادية»؛ بمعنى ألا تدين إسرائيل في تقريرها للأمين العام وتتساهل معها. فجاءت هذه الجريمة النكراء لتصفع القيادة الإسرائيلية وتحرج جيش الاحتلال، الذي حاول التنصل من المسؤولية عن قتل الطفلة جنى، ثم عاد واعترف بها في ضوء الدلائل والإثباتات القائمة، حتى لو ادعى أنها قتلت بالخطأ.
في الواقع، إسرائيل لا تبالي أبداً بقتل المدنيين الفلسطينيين، وسجلها الإجرامي ليس فقط مدعاة لمحاكمة قادتها أمام المحاكم الدولية، خاصة محكمة الجنايات الدولية، بل ولفرض عقوبات أممية قاسية عليها. ففي هذا العام الذي لم ينته بعد، قتلت إسرائيل 61 طفلاً، 44 منهم قتلوا في الضفة المحتلة، و17 قتلوا في قطاع غزة خلال العدوان الأخير. وحسب الإحصاءات الفلسطينية كذلك، تم اعتقال 811 طفلاً تعرضوا للتعذيب والتنكيل دون شك، ولا يزال في سجون الاحتلال 150 طفلاً، منهم 11 تحت الاعتقال الإداري. هذا عدا ما يعانيه أطفالنا نتيجة للاحتلال والعدوان المستمر من مختلف النواحي الاقتصادية والاجتماعية والأمنية والنفسية.
المبعوثة الدولية التقت وزير الخارجية د. رياض المالكي الذي سلّمها تقريراً عن جرائم الاحتلال بحق الأطفال في فلسطين، وهي ستقوم بإجراء لقاءات وحوارات مع شخصيات فلسطينية وإسرائيلية ذات صلة بموضوع التفويض الدولي الذي تحمله. وبالمناسبة كانت توصية ممثلة الأمين العام في عام 2015 بوضع إسرائيل على اللائحة السوداء، ولكن الضغوط الأميركية والإسرائيلية منعت اتخاذ قرار بهذا الشأن.
الظرف الذي قدمت فيه ممثلة الأمين العام للأمم المتحدة مناسب جداً لاتخاذ قرار دولي بخصوص وضع إسرائيل على اللائحة السوداء، خاصة في ظل نتائج الانتخابات الإسرائيلية والتوجه لتشكيل حكومة هي الأكثر تطرفاً وعنصرية في تاريخ إسرائيل. فهذه الحكومة القادمة ستسعى لضم أجزاء من المناطق الفلسطينية المحتلة، وتغيير الوضع الراهن في القدس والأماكن المقدسة، وشطب فكرة حل الدولتين بقطع الطريق نهائياً على إقامة دولة فلسطينية مستقلة على حدود الرابع من حزيران من العام 1967. بل هو مناسب كذلك لاستصدار رأي قانوني من محكمة العدل الدولية بخصوص الاحتلال الإسرائيلي المستمر منذ أكثر من 55 عاماً، وجرائم إسرائيل المرتبطة بهذا الاحتلال.
في الواقع، هناك خشية حقيقية لدى الأوساط السياسية الإسرائيلية، خاصة لدى المعارضة الجديدة، من أن تشكيل حكومة نتنياهو - سموتريتش - بن غفير سيقود إسرائيل إلى المحاكم الدولية، وإلى صدور قرارات أممية شديدة ضدها بدعم من الدول الغربية، وربما بصمت ومباركة من الولايات المتحدة، التي عبرت عن تحذير شديد لإسرائيل من الضم وإقامة مستوطنات جديدة وهدم المنازل، والإخلال بالوضع التاريخي القائم في الأماكن المقدسة، وأي أعمال من شأنها تقويض حل الدولتين، حسب ما ورد في خطاب وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن في مؤتمر «جيه ستريت» (المنظمة اليهودية الأميركية اليسارية المعارضة لسياسة نتنياهو) في واشنطن بداية هذا الشهر. وهناك مواقف أوروبية قوية، وخطوط حمراء كذلك، ضد ما تنوي فعله الحكومة الإسرائيلية القادمة.
وربما تكون هذه فرصة جيدة ومواتية للقيادة الفلسطينية لتكثيف نشاطاتها الدبلوماسية، والقيام بحملة واسعة النطاق على المستوى الدولي، خاصة في أميركا الشمالية وأوروبا؛ لتعرية إسرائيل وفضح جرائمها ضد الشعب الفلسطيني، والاستفادة من المناخ الجيد في الأمم المتحدة لصالح فلسطين، والذي يتبدى في الموافقة على عدد كبير من القرارات الدولية المؤيدة للحق الفلسطيني، وآخرها القرارات الأربعة التي صدرت بأغلبية ساحقة عن الجمعية العامة أول من أمس. وبحيث يكون هدف الحملة ترجمة القرارات الدولية إلى أفعال، وتطبيقها على أرض الواقع، أسوة بما حصل في صراعات ونزاعات أخرى غالباً ما تكون أقل حدة ومستوى من الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي المستمر منذ حوالى قرن من الزمن، والاحتلال المعترف به دولياً منذ 55 عاماً، والتغييرات التي تحدثها إسرائيل على الأرض لإعاقة تطبيق أي قرار أو تسوية عادلة ومقبولة للصراع. وفي هذا السياق، يجب أن تركز أي حملة أو نشاط دبلوماسي على مبدأ أن الوقت يجري في غير صالح الحل السلمي، وأن كل تأخير في فرض حل يحفظ الحقوق الوطنية الفلسطينية سيجعل هذا الحل غير ممكن في المستقبل القريب، ما يعني إدامة الصراع وتعقيده وكل ما يترتب على ذلك من خسائر وضحايا وتهديد للأمن والسلام الدوليين.