ads image
علم 24 413 يوماََ و #غزة_تُباد
علم 24

مقالات

كريم وماهر يونس.. وسياسات ردع شعب بأسره

25/12/2022 الساعة 12:10 (بتوقيت القدس)

نهاد أبو غوش

 

بعد أيام من المقرر أن تفرج دولة الاحتلال عن الأسير المناضل كريم يونس بعد أن أمضى في المعتقلات أربعين عاما بالتمام والكمال، ثمانية وأربعين شهرا أمضاها كريم بثبات وجَلَد حتى اللحظة الأخيرة من حكمه، في مثال صارخ على القسوة والوحشية التي تصر إسرائيل على معاملة أسرانا وفق قواعدها المنافية لأبسط نواميس الإنسانية، ولسان حالها يقول أن من يخالف أحكامنا في هذه البلاد فسوف نجعله عبرة لمن يعتبر.

الذي يصر على إبقاء كريم حتى اللحظة الأخيرة من فترة حكمه ويحرمه من وداع والدته التي أنهكها انتظار السنين ورحلت قبل شهور معدودة من حرية بطلها، هو من يُصرّ على مواصلة اعتقال نائل البرغوثي للعام الثالث والأربعين، وهو نفسه الذي ما زال يحتجز جثمان الشهيد الأسير أنيس الدولة منذ 42 عاما، وهو من اتخذ قرار احتجاز جثمان ناصر أبو حميد إلى جانب جثامين نحو 120 شهيدا محتجزا في الثلاجات وأكثر من ضعفهم في مقابر الأرقام، والمئات غيرهم في غياهب النسيان ولا أحد يعلم عنهم شيئا سوى من بقي من أهلهم ليكتوي بحسرتهم على مدى العمر، ومن المؤكد كذلك يعلم عنهم وعن مكان استشهادهم أو اختفائهم بعض مجرمي الحرب أفرادا وفرقا وأرشيفا رسميا سريا، ودولة ما زالت تخفي أسرارها الخطيرة وترفض الكشف عن تفاصيلها حتى بعد 75 عاما من قيامها.

إسرائيل التي تقدم نفسها كدولة كقانون ومؤسسات، وتباهي بأنها واحة الديمقراطية في الشرق الأوسط تتعامل بمنطق الانتقام وفق قوانين العصابات حين يتعلق الأمر بأمنها وبالنضال الفلسطيني بشكل عام، فهذه الممارسات البربرية في التعامل مع الأسرى وجثامين الشهداء لا هدف لها سوى ردع الشعب الفلسطيني بأسره ومعاقبته على خيار المقاومة، وعلى أي فعل يرفض التسليم بالاحتلال وشروطه. العقاب إذن ليس موجها لذات الشهيد ولا لأهله الذين يتوقون إلى معاملته بالكرامة التي يستحقها ودفنه بحسب الشعائر التي يفترضها دينهم. ولكن المحتلين يحققون من خلال هذه الأفعال عدة غايات هي إشباع رغبات ونزوات المتطرفين الإسرائيليين التواقين دائما لإيقاع الأذى بالفلسطينيين لأنهم فلسطينيون، وتوجيه رسالة لكل فلسطيني يقاوم الاحتلال بأنه ليس وحده من يدفع ثمن نضاله ومقاومته ، بل إن أهله سوف يدفعون الثمن ويذوقون حسرته  بدءا من هدم منزلهم وحرمانهم من تصاريح الحركة مثلا، وصولا لمنعهم من دفن ابنهم الشهيد، وكذلك استخدام ورقتي الأسرى والجثامين كأداتي مساومة وابتزاز لانتزاع تنازلات سياسية من الفلسطينيين.

مرت الأربعون سنة على كريم يونس، بكل ما تخللها من أحداث: تعاقبت عليه حكومات شامير وبيرس ورابين ونتنياهو الأولى، ثم باراك وشارون وأولمرت وأربع دورات جديدة لنتنياهو، ثم بينيت ولابيد وها هو نتنياهو يعود بحكومة سادسة برئاسته. أما العالم فحدثت فيه ثورات سياسية واجتماعية وعلمية وتكنولوجية، تبدلت أحوال واختفت دول وانقسمت غيرها، وما زال كريم وماهر يونس ورفاقهم في سجنهم يدفعون ثمن انحيازهم لشعبهم. وحتى في دائرتنا الوطنية والمحلية تغيرت أحوالنا كثيرا وشهدنا مسيرة التسوية من مؤتمر مدريد واتفاق أوسلو وصولا لحكومة بن جفير، وخلال هذه الفترة الطويلة شهدنا موجات متعددة من المد والجزر، شهور عسل للتسوية وخطط ولقاءات ومشاريع ارتبطت بأسماء سياسيين أميركيين ودوليين، ثم عودة لسياسات الحديد والنار، وصفقات فلسطينية وعربية لتبادل الأسرى، ودفعات إفراج على حساب "إجراءات بناء الثقة" وما زال ثلة من قدامى الأسرى في سجونهم ومعتقلاتهم لتجسيد ما تريده إسرائيل من سياسة الردع العمومي.

ومع فرحتنا وترحيبنا بالإفراج عن كريم يونس إلا أن هذه الفرحة مقترنة بالحسرة والألم لأن إسرائيل تكرس معادلة خطيرة وهي أن الأسير سوف يقضي فترة حكمه حتى اليوم الأخير، أما الأسوأ من هذه المعادلة فهو قبولنا بها وتسليمنا بالشروط الإسرائيلية المجحفة والعنصرية، والتي بدأت باستثناء كون قضية الأسرى من القضايا الرئيسية للمفاوضات والتسوية، وأحالتها إلى فرع هامشي من قضايا وإجراءات بناء الثقة، ثم اعتمدت معايير تمييزية عنصرية من قبيل رفض الإفراج عن أسرى الداخل والقدس، والأخطر رفض الإفراج عمن هو متهم بأن "على يديه دماء يهودية" .

من المؤسف أن تقتصر المواقف الفلسطينية الرسمية والفصائلية على جرائم الحرب الإسرائيلية بما فيها احتجاز جثامين الشهداء على بيانات الإدانة والشجب والاستنكار، والمناشدات الموجهة للأطراف الدولية، والتهديد اللفظي الذي لا يتبعه أي فعل، فهذه كلها سياسات عجز لا يمكن لها أن تصنع اي تغيير. أحد المسؤولين قال أن السلطة والقيادة استنفذت جميع الوسائل المتاحة للإفراج عن ناصر أبو حميد، ولا يمكن لذلك أن يكون صحيحا إلا إذا قصد منه البيانات والرسائل، في حين أن كثيرا من خيارات النضال لتحريك قضية الأسرى والجثامين المحتجزة ما زالت  متاحة ولم تعط حقها.

في الماضي القريب كان كل زائر أجنبي لدولة الاحتلال يوضع له برنامج زيارات يشمل لقاء مع عائلة جلعاد شاليط حتى بات هذا الجندي معروفا على نطاق عالمي، وقبل ايام، وعشية عيد الميلاد المجيد، التقت عائلة الجندي المفقود جولدن بقداسة البابا فرنسيس لحثه على التدخل من أجل الإفراج عن ابنها في الوقت الذي تحتجز حكومة إسرائيل ( التي ترتب هذه اللقاءات) مزيدا من الجثامين كل يوم.

ترى هل أوصلنا لقداسة البابا أخبار كريم وماهر يونس ونائل البرغوثي، وهل سمع العالم، بل هل يعرف شعبنا، ما يكفي عن وليد دقة ومحمد الطوس وسمير أبو نعمة، وهل سلحت سفاراتنا وبعثاتنا الدبلوماسية وجالياتنا في الخارج ووفودنا بأسماء شهدائنا المحتجزة جثامينهم لكي تتحرك من أجل فضح عنصرية دولة الاحتلال وتوليد ضغط دولي على "المتاجرين بالجثث" كما وصفهم بعض الإسرائيليين؟

إذن خياراتنا للإفراج عن الأسرى بدءا بالقدامى والمرضى منهم، وعن الجثامين المحتجزة لم تستنفذ ولا يمكن لها أن تستنفذ المهم أن نعيد وضع هذين الموضوعين على راس أجندتنا الوطنية، سلطة وفصائل ومجتمعا وجالياتن وأن نكف عن الشكوى والتعامل الموسمي مع قضايانا الرئيسية.