مقالات
2023.. مواجهة التحديات لصناعة مستقبل افضل
الكاتب: نتالي حمدان
ودعنا عاماً مضى بكل ما فيه من حلوٍ ومر، ونتطلع لجديد يؤسس لمستقبل أفضل لنا ولأولادنا، عام نتمكن فيه من تجاوز العقبات والمضي قدماً دون توقف، نتأمل أن نكون فيه قادرين على الاستمرار في السعي حتى لو بخطوات صغيرة بطيئة أو بسيطة، وأن نستثمر كل لحظة لإحداث الفرق في حياتنا وحياة الاخرين، فكل منا سيساهم في التغيير للأفضل، وكل منا هو صانع لمستقبل بلدنا وعليه أن يعمل وفقاً لذلك.
علينا أن نعي تماماً اننا مقبلون على عام قد يتطلب تكاتف اكبر للجهود الفردية والجماعية لمواجهة أي تحديات قادمة، خاصة في ظل وجود الكثير من المخاوف على الصعيدين المحلي والدولي، فعلى الصعيد العالمي هنالك مؤشرات لتصاعد وتيرة التوتر الدولي واتساع رقعة الحرب الروسية الاوكرانية، والذي إن حدث (لا سمح الله) سيكون له اثار سلبية كبيرة على العالم وعلى دول المنطقة، ونحن بالتأكيد الأكثر تاثراً في المنطقة بذلك بسبب عدم اكتمال مقومات الدولة ووجود الاحتلال الإسرائيلي الذي يشكل عائق امام كافة قطاعات الإنتاج الفلسطيني، أما على الصعيد الاقتصادي فيرى الدارسون والمختصون أن الاقتصاد العالمي سيواجه هزة غير مسبوقة بسبب الصراع المحتدم بين أمريكا والصين (وكلٌ معه حلفائه)، بالإضافة إلى العديد من العوامل التي تهدد بزيادة نسب الفقر العالمي خاصة الظروف الناجمة عن الحروب والتغير المناخي وانحسار واحتكار الموارد الطبيعية من قبل بعض الدول، مما قد يؤدي إلى ارتفاع تكلفة الحياة وانتشار المجاعات في الكثير من دول العالم. ويتوقع البنك الدولي أن تنخفض الآفاق المستقبلية لاقتصادات الأسواق والاقتصادات النامية نتيجة للأثر المستمر لتداعيات جائحة كورونا من حيث تآكل المهارات الناجمة عن فقدان الوظائف، وسنوات الدراية الضائعة، والهبوط الحاد للاستثمار، وارتفاع أعباء الديون، وزيادة مواطن الضعف المالي. وقد أشارت تنبؤات البنك الدولي لسنة 2022 إلى أن معدل النمو في البلدان النامية سينحصر إلى 4.7% مع قيام الحكومات تدريجياً بإلغاء تدابير دعم السياسات، فمن غير المتوقع التعويض عن كامل الخسارة في نصيب الفرد من الدخل في نحو ثلثي بلدان الأسواق الصاعدة والبلدان النامية، بما في ذلك ثلاثة أرباع البلدان منخفضة الدخل والهشة والمتأثرة بالصراع، ومن المتوقع أن يشهد العالم سقوط 100 مليون فرد في برائن الفقر المدقع، وقد تكون فلسطين في صدارة الدول المتأثرة بذلك، مما يترتب علينا الجاهزية التامة لكل الاحتمالات خاصة أن فلسطين دولة محدودة الانتاج، واقتصادها هش ويعتمد بشكل أساسي على جباية الضرائب، كما أن حجم الانتاج الصناعي من الصناعات الخفيفة والصناعات الغذائية محدود جداً، أما الإنتاج الزراعي فهو بطبيعة الحال ضعيف نسبياً، ومهدد بفعل الظروف الصعبة التي يواجهها المزارع الفلسطيني بسبب سيطرة الاحتلال على الأراضي والموارد الطبيعية، وتحكمه بدخول وخروج البضائع، ومحاربته للمنتجات الفلسطينية، ناهيك عن العوامل الجوية الناجمة عن التغيرالمناخي (كالجفاف المحتمل)، وتغير شكل ومنسوب الأمطار، وموجات الصقيع وغيره من العوامل التي قد تحد من انتاج القطاع الزراعي مستقبلاً.
والسؤال الذي يطرح نفسه، كيف سيكون المجتمع الفلسطيني جاهز لمواجهة التهديدات القادمة؟ علينا عدم الاستهانة بالجهود والتدابير الاحترازية الفردية، وهنا نستذكر تجارب فلسطينية رائعة في الصمود امام التحديات إبان الإنتفاضة الفلسطينية الأولى، حيث كانت العائلات تواجه الحصار الطويل الذي كانت تفرضه إسرائيل على المدن والقرى الفلسطينية من خلال العيش على انتاجها الفردي، واتباع مبداُ التكافل الاجتماعي لسد الحاجات الاساسية، وقد ظهرت تجارب عديدة في تلك الفترة لتحقيق الاكتفاء الذاتي الفلسطيني والاستغناء عن البضائع الإسرائيلية مثل التجربة الشهيرة لإنشاء مزرعة للأبقار في بيت ساحور والتي كانت شكل من أشكال المقاومة الشعبية التي تم اجهاضها مطلع عام 1994 بعد محاولات اسرائيلية حثيثة لمنع أي مشاريع فلسطينية للإنسلاخ عن الاعتماد على البضائع الإسرائيلية.
إذن، فلسطين خلاقة في مواجهة التحديات التي تتطلب منا جميعاً:
1. وضع برنامج للادخار منذ مطلع العام حتى لو كانت مبالغ صغيرة، ويفضل تحويل مبالغ الادخار الى ذهب كون الذهب سيصبح معدن نادر جداً.
2. زراعة اي مساحات ارض متوفرة بكل انواع المزروعات، ومن الممكن استغلال أسطح المنازل للزراعة وبناء الاحواض واستخدام القوارير الكبيرة والصغيرة لزراعة النعناع والبقدونس والميرمية والريحان والزعتر وغيره من الأعشاب التي تنمو في القوارير الصغيرة.
3. تربية كافة أنواع المواشي والطيور مثل تربية الأغنام والأبقار والدواجن والبط والطيور بكافة اشكالها.
4. تخزين المواد الأساسية من الأغذية مثل من البقوليات والطحين والجبنة واللبنة والزيت والزعتر والعسل والمربى ورب البندورة والمعلبات وغيره من المواد الغذائية التي من الممكن الاحتفاظ بها لسنوات أو لاشهر طويلة.
5. العمل على حفر ابار مياه في كل منزل وعمارة (بئر على الأقل يكون شرط لترخيص أي بناء).
٠6 زراعة كافة مساحات الاراضي المتوفرة بكل أنواع المواد الغذائية خاصة الحبوب والبقوليات.
ويترتب على الدولة العمل على تعزيز الأمن الغذائي للمواطنين ووضع برامج لدعم وتشجيع الزراعة والصناعات الغذائية، وتخصيص أراضي الدولة لزراعة الحبوب خاصة القمح حتى لو كانت تكلفة إنتاجها حالياً أعلى من تكلفة استيرادها.
حيث أن عام 2023، ووفقاً لتبعات أزمة جائحة كورونا وما رافقها من أزمات عالمية متتالية ينذر بمخاطر قد تكون غير متوقعة على صعيد مقومات البقاء على قيد الحياة ولذلك يجب العمل بشكل فردي وجماعي وعلى صعيد التعاون مع الحكومات والدول للتوجه لتعزيز الإنتاج الفردي الهادف لزيادة أمد الصمود والبقاء في مواجهة التحديات الجديدة.