هند محمد أبو مغصيب _ قطاع غزة

في الآونة الأخيرة، كثّفت إسرائيل أنشطتها العسكرية في قطاع غزة، حيث قامت بإنشاء مناطق عسكرية وقواعد جديدة داخل القطاع، بدأت هذه التحركات في أبريل 2024، مع إنشاء قواعد عسكرية على طول ممر "نتساريم"، بهدف تعزيز السيطرة العسكرية وتسهيل حركة القوات.

في نوفمبر 2024، وسّعت إسرائيل عملياتها في شمال قطاع غزة، خاصة في مخيم جباليا وبلدتي بيت لاهيا وبيت حانون، مما أدى إلى دمار واسع النطاق وتغيير معالم هذه المناطق، تشير هذه التقارير إلى أن هذه التحركات تهدف إلى إنشاء منطقة عازلة وتعزيز التواجد العسكري لفترة طويلة.

بالإضافة إلى ذلك، بدأت وزارة الدفاع الإسرائيلية بالتعاون مع شركات خاصة للإشراف على تقديم المساعدات الإنسانية تحت رقابة إسرائيلية مباشرة، بهدف تعزيز السيطرة الإسرائيلية على قطاع غزة.

تُثير هذه التحركات مخاوف بشأن تأثيرها على السكان المدنيين في غزة، خاصة مع الدمار الواسع الذي لحق بالمناطق المستهدفة، كما أن هناك نقاشات داخل إسرائيل حول جدوى هذه الاستراتيجية، حيث أعرب بعض المسؤولين عن قلقهم من التبعات المحتملة لإقامة إدارة عسكرية في القطاع.

ولكن يبقى السؤال: هل يمكن أن تعود إسرائيل إلى قطاع غزة بعد انسحابها في عام 2005؟

يعتمد الامر على عدة عوامل عسكرية، سياسية، وأمنية، وهناك نقاشات كبيرة داخل إسرائيل حول هذا الموضوع، خصوصًا بعد التوترات المتكررة مع قطاع غزة، هناك سيناريوهات ومواقف مختلفة: انسحبت إسرائيل من غزة في أغسطس عام 2005، حيث نفذت إسرائيل خطة "الانسحاب الأحادي"، وأخلت المستوطنات اليهودية في غزة وسحبت قواتها بالكامل من القطاع ومن أسباب الانسحاب: تكلفة أمنية عالية لأن الدفاع عن المستوطنات في غزة كان مكلف جدًا، وكان هناك ضغوط كبيرة لإنهاء الاحتلال المباشر للقطاع، وتحقيق فصل ديموغرافي بين الفلسطينيين والإسرائيليين.

في السنوات الأخيرة، بعض السياسيين والقيادات العسكرية في إسرائيل طرحوا فكرة إعادة احتلال أجزاء من غزة، خصوصًا بعد تصاعد الهجمات الصاروخية من القطاع، في عام 2021 صرّح وزير الدفاع الإسرائيلي الأسبق نفتالي بينيت أن: "إذا لم يتوقف إطلاق الصواريخ، فسنحتاج إلى إعادة السيطرة العسكرية على قطاع غزة."، في عام 2023، بعض المسؤولين الإسرائيليين اقترحوا إقامة منطقة عازلة عسكرية داخل غزة لضمان أمن المستوطنات القريبة من القطاع.

أما ما تم طرحه مؤخراً "خطة الجنرالات" هي استراتيجية عسكرية اقترحها الجنرال الإسرائيلي المتقاعد غيورا آيلاند، وتهدف إلى تحويل شمال قطاع غزة إلى منطقة عسكرية مغلقة. تتضمن الخطة تهجير سكان شمال غزة قسرًا بفرض حصار كامل على المنطقة، بما في ذلك منع دخول المساعدات الإنسانية، ثم تحويلها إلى منطقة عسكرية بهدف القضاء على أي وجود لحركة حماس.

في الآونة الأخيرة، كثف الجيش الإسرائيلي غاراته على مناطق شمال غزة، مما أدى إلى موجات نزوح كبيرة. هذا التصعيد أثار تكهنات حول بدء تنفيذ "خطة الجنرالات"، مع ذلك، نفى مصدر إسرائيلي وجود خطة تُسمى بـ"خطة الجنرالات" تُنفذ في شمال قطاع غزة، موضحًا أن طلب الجيش من السكان مغادرة أماكن القتال يهدف إلى تجنيبهم مخاطر العمليات العسكرية، من جانبه، انتقد غيورا آيلاند، مهندس الخطة، الاستراتيجية الإسرائيلية في غزة، مشيرًا إلى فشلها في تحقيق الأهداف المرجوة.

ولكن من الممكن ان نضع سيناريو العودة الإسرائيلية الى غزة على الطاولة؛ لأن إسرائيل تعتبر غزة تهديدًا أمنيًا دائمًا بسبب وجود فصائل مسلحة مثل حماس والجهاد الإسلامي، وتصاعد إطلاق الصواريخ من القطاع قد يدفع إسرائيل للتفكير في إعادة السيطرة على أجزاء من غزة.

كما ان هناك ضغط سياسي داخلي، بعض الأحزاب اليمينية الإسرائيلية تطالب بعودة السيطرة على غزة لأنهم يرون أن الانسحاب كان خطأ كبيرًا.

عودة إسرائيل إلى غزة ستكون مكلفة جدًا رغم النقاشات، هناك أيضًا معارضة كبيرة داخل إسرائيل لفكرة العودة إلى غزة؛ لأن التكلفة البشرية والاقتصادية ستكون ضخمة جداً، والمجتمع الدولي قد يرفض ذلك ويرى العودة إعادة احتلال غير شرعي، بالإضافة الى أن إسرائيل لن تستطيع السيطرة على مليوني فلسطيني في القطاع بدون حدوث كارثة إنسانية.

هناك العديد من السيناريوهات المحتملة؟

- السيناريو الأول: إقامة منطقة عازلة داخل غزة، قد تعيد احتلال أجزاء صغيرة من شمال قطاع غزة لتقليل تهديد الصواريخ.

- السيناريو الثاني: إعادة احتلال القطاع بالكامل، هذا السيناريو غير مرجح حالياً، لكنه ممكن في حال تصاعدت الهجمات بشكل كبير.

- السيناريو الثالث: زيادة العمليات العسكرية بدون احتلال، إسرائيل قد تستمر في تنفيذ عمليات عسكرية مكثفة في غزة دون العودة للاحتلال المباشر.

إذا أردنا الإجابة على سؤال هل يمكن لإسرائيل أن تعود لاحتلال غزة: نظريًا نعم، ممكن، أما عمليًا صعب جدًا ومكلف.

إسرائيل قد تعيد السيطرة العسكرية الجزئية على أجزاء من غزة في حال شعرت بتهديد أمني كبير، لكنها لن تعيد احتلال القطاع بالكامل كما كان الحال قبل 2005، لكن إذا حصلت تغييرات إقليمية أو تصعيد كبير جدًا، كل السيناريوهات تبقى مفتوحة.