مقالات
غزة في عزلة عن العالم
هند محمد أبو مغصيب.
فلسطين _ قطاع غزة.
"نحن نُقصف، نُحاصر، نُعاني، ولكننا لن نستسلم ... سنعيش، وسنبني، وسنقاوم حتى تحرير فلسطين."
معاناة الشعب الفلسطيني في الحرب هي معاناة إنسانية عميقة تمتد إلى كل جوانب الحياة، فالحرب ليست مجرد صواريخ تُطلق أو مبانٍ تُهدم، بل هي ألمٌ مستمر يعيشه الفلسطينيون يوميًا في الروح والجسد والمستقبل.
هناك العديد من الجوانب المختلفة لمعاناة الفلسطينيين خلال الحروب المتكررة في قطاع غزة،
منها المعاناة الإنسانية من: تدمير المنازل وفقدان الأمان، واضطرار العائلات إلى العيش في مدارس أو خيام في ظروف صعبة، سقوط آلاف الشهداء والجرحى؛ لأن الجيش الإسرائيلي يستهدف المدنيين الأبرياء، مما يؤدي إلى استشهاد الأطفال، والنساء، والشيوخ، كما أن المستشفيات في غزة تعاني من نقص حاد في الأدوية والمعدات الطبية، مما يزيد من عدد الضحايا.
فقدان أحبة، وبقاء العديد من الجرحى بإعاقات دائمة والفقد الأصعب عندما تبقى العائلة أو جزء منها تحت الأنقاض.
الحياة اليومية تصبح أشد صعوبة، مما يضيف إلى معاناة الناس صعوبة التعايش والتأقلم، خاصةً المعاناة النفسية والقلق المزمن وفقدان الامل بالمستقبل، وكل هذا لا يؤثر على الكبار فقط، فالأطفال في غزة يعانون من كوابيس، وخوف دائم من صوت الطائرات أو القصف، الحرب تسرق براءة الأطفال وتحولهم إلى ضحايا نفسيين، وتعرض بعضهم لتفكيك أسري بعد استشهاد الأب أو الأم، وترك الأطفال يتامى بلا معيل، بعض العائلات تفقد كل أفرادها في غارة واحدة، مما يجعل الألم لا يوصف.
الوضع الراهن في غزة يشهد تدهورًا مستمرًا نتيجة الاعتداءات المتكررة، والأزمات الإنسانية المتفاقمة، هذه الظروف الصعبة تُلقي بظلالها على صمود الشعب الفلسطيني، مما يؤدي إلى تحديات نفسية، اجتماعية، واقتصادية تؤثر على الحياة اليومية للمواطنين.
ولكن هناك أكبر معيق للحياة اليومية وهي الكواد كابتر التي يتم استخدامها في الهجمات ضد أهل غزة تُعرف بأنها: أحد أنواع الدرونز الهجومية الصغيرة التي يستخدمها الاحتلال الإسرائيلي لأغراض عسكرية واستهداف مباشر للمدنيين. للأسف، هذه الطائرات أصبحت أداة خطيرة يتم استخدامها في الحروب الحديثة بسبب سهولة التحكم بها وتكلفتها المنخفضة نسبيًا مقارنة بالطائرات العسكرية التقليدية.
ولهذا السلاح الصغير استخدامات عدة منها: التجسس والمراقبة فهي تُستخدم لرصد التحركات في الأحياء السكنية، وتعقب الأشخاص، والتجسس على المناطق المستهدفة، كما انها تستخدم أيضاً للهجمات المباشرة حيث يتم تحميل هذه الطائرات الصغيرة بقنابل أو عبوات متفجرة تُسقطها على المدنيين أو الأهداف المحددة وبسبب حجمها الصغير، يصعب اكتشافها وإسقاطها، مما يجعلها خطيرة جدًا.
أما الحرب النفسية فإن "الكواد كابتر" تستخدم لنشر الخوف في نفوس المواطنين، حيث تُحَلق فوق رؤوسهم بشكل مستمر، مما يخلق حالة من التوتر والضغط النفسي، وبسبب صُغر حجمها وسهولة تَخَفّيها هذا الامر يُمَكِنها من الطيران في أماكن ضيقة، وهي تحمل مواد متفجرة؛ لتقوم بهجمات دقيقة، من أسباب انتشارها دوناً عن غيرها من باقي الأسلحة تكلفتها القليلة ويمكن استبدالها بسرعة.
طورت المقاومة في غزة طرقًا لمواجهة الكواد كابتر منها: تشويش الإشارة وتعطيل إشارات التحكم بالطائرات، كما انها قامت بالكثير من عمليات إسقاط الدرونز باستخدام البنادق والأسلحة البسيطة، واختراق الأنظمة والاستيلاء عليها.
رغم أن استخدام الكواد كابتر في استهداف المدنيين يعتبر جريمة حرب وفقاً للقوانين الدولية، إلا أن المجتمع الدولي غالبًا يتجاهل هذه الانتهاكات، مما يزيد من معاناة أهل غزة.
الحرب النفسية ضد أهل غزة هي جزء من سياسة الاحتلال الإسرائيلي المستمرة، وهي وسيلة غير مباشرة تهدف إلى إضعاف الروح المعنوية وزرع الخوف واليأس في نفوس الشعب الفلسطيني.
الاحتلال لا يكتفي بالحصار والقصف فقط، بل يستخدم أساليب متعددة من الحرب النفسية التي تستهدف العقول والقلوب، بهدف تفكيك النسيج الاجتماعي وضرب الثقة بالمقاومة، ولكن يبقى السؤال هنا: هل سيستطيع الشعب الفلسطيني من استعادة حياته السابقة فور انتهاء الحرب والتشافي من كل الأزمات التي مروا بها خلال عام وأكثر؟
برأيي لن تعود الحياة إلى ما كانت عليه بسهولة، لأن تأثير الحرب ليس فقط في المباني المدمرة، بل يمتد إلى النفوس، الاقتصاد، البنية التحتية، والعلاقات الاجتماعية، لكن في نفس الوقت، الشعب الفلسطيني في غزة أثبت مراراً وتكراراً أنه قادر على النهوض من تحت الركام، وتجديد الأمل، وصناعة الحياة حتى في أحلك الظروف.
لا يمكننا تعويض فقدان الأرواح، كل بيت في غزة تقريباً فقد شهيداً أو جريحاً، هذا الجرح يظل نازفاً في قلوب العائلات لفترات طويلة، بالرغم من كل هذا فإننا في غزة لا نستسلم، لأن لدينا إيماناً عميقاً بالحق، ولأننا تعلمنا أن الحياة تستمر رغم الألم.
نعيش بين الموت والحياة يومياً، لكننا اخترنا الحياة بإرادة أقوى من كل الحروب.
"كل حجر يُهدم، سنبنيه من جديد، كل شجرة تُقتلع، سنزرع بدلاً منها، وكل شهيد يسقط، يولد من بعده ألف مقاوم."